قبائل و عائلات

أحداث غزوة ذي أمر بين المسلمين وتحالف قبيلتي محارب وبني ثعلبة

أسماء صبحي

شَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- العديدَ من الغزوات منذ هجرتِه إلى المدينة المنورة حتّى وفاته فيها. وهي ما أطلق عليه المؤرّخون اسم غزوات العصر النبوي أو غزوات الرسول -عليه الصلاة والسلام-. سواءً قادها بنفسه أم أوكلَ أمرَ قيادتها إلى واحدٍ أو أكثر من أصحابه. ومع اختلاف أسباب كل واحدةٍ منها إلا أنّها جميعها متوافقة مع أحكام وتعاليم الجهاد في سبيل الله. ونسلط الضوء في هذا المقال على واحدةٍ من هذه الغزوات، ألا وهي غزوة ذي أمر.

أسباب غزوة ذي أمر

تعد معركة ذي أمر -بفتح الألف والميم- من أكبر الحملات العسكريّة التي نظِّمت بعد غزوة بدر وقبيل غزوة أحد. وقادها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنفسه حين تواترتْ إليه الأنباء من عيونه المراقبة في محيط المدينة المنورة. أنّ تحالفًا تشكَّل بين قبيلة بني محارب وهي واحدة من أشهر القبائل العربية. وقبيلة بني ثعلبة واحدة من القبائل اليهودية التي كانت تقطن المدينة المنورة وتيماء وفدك. فحشدتا جمعًا كبيرًا من مقاتليهما للإغارة على أطراف المدينة المنورة.

أهداف الغزوة

عندما علِم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحَشد القبيلتيْنِ -بني ثعلبة وبني محارب- لشَنّ هجومٍ عنيفٍ على المدينة المنورة. خرج الرسول -عليه الصلاة والسلام- بجيشٍ قوامه أربعمائة وخمسون مقاتلًا للقائهم خارجَ المدينة. وكانت تلك سياسته -عليه الصلاة والسلام- في معظم غزواته ألا وهي منع الأعداء من الوصول إلى المدينة ومساكن أهلها. ومن جهةٍ أخرى لبثّ الذعر والخوف من المسلمين في قلوب أعدائهم من المشركين واليهود. إذ لديهم القدرة على المبادرة بالهجوم دون الاكتفاء بالدفاع.

متى كانت غزوة ذي أمر

وقعت أحداث هذه الغزوة في السنة الثالثة من الهجرة النبوية قبل غزوة أحد. في موضعٍ ماءٍ للقوم يقال له ذي أمر، وأقام في هذه الموضع قرابة الشهر أو نحو ذلك. وقال المؤرّخون أنه شهر صفر، دون وقوع قتالٍ بين الفريقيْن ثم عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.

أحداث الغزوة

بعد عودة النبي -صلى الله عليه وسلم- بجيشه منتصرًا من غزوة السويق في نهاية السنة الثانية من الهجرة. حيث أقام المسلمون في المدينة المنورة دون قتالٍ أو تهديدٍ من أحدٍ طوال شهر ذي الحجة من تلك السنة. ومع بداية السنة الثالثة للهجرة نقلت العيون للنبي -عليه الصلاة والسلام- نبأ اجتماع قبيلتي محارب وبني ثعلبة على تجهيز جيشٍ لغزو أطراف المدينة المنورة. فعقد -عليه الصلاة والسلام- العزم على الخروج إليهم ومهاجمتهم في عقر ديارهم قبل أن يهاجموا المدينة المنورة.

أعدّ الرسول الكريم جيشًا مكونًا من أربعمائة وخمسين مقاتلٍ ما بين فارسٍ وراجلٍ ثم انطلق باتجاه نجد موطن القبيلتيْن في وسط شبه الجزيرة العربية وشمالها. وانتهى إلى موضع اجتماع جيشهم من ديار غطفان عند ماءٍ لهم يقال له ذي أمر. وقد استخلف الرسول -عليه الصلاة والسلام- عثمان بن عفان -رضي الله عنه- على المدينة المنورة طوال فترة غيابه.

أثناء سير جيش المسلمين باتجاه ديار القبيلتيْن ألقوا القبض على واحدٍ من أفراد قبيلة بني ثعلبة يدعى جبَار. فانطلقوا به إلى رسول الله الذي دعاه ورغّبه في اعتناق الإسلام فأسلم. وأوكل أمر تعليمه أمور الدين إلى بلال بن رباح -رضي الله عنه-. وقد استعمل المسلمون جبَارًا كدليلٍ لهم في أرض عدوهم، وحين علم بنو ثعلبة وبنو محارب بقدوم جيش المسلمين للقائهم. دبّ الذعر والرعب في قلوبهم وهربوا من مواقعهم القتاليّة غلى أعالي الجبال. وقد أطلق المؤرّخون على هذه الغزوة اسم غزوة غطفان وغزوة أنمار أيضًا.

نتائج غزوة ذي أمر

انتهت غزوة ذي أمر بين المسلمين وأعدائهم من بني ثعلبة وبني محارب دون قتالٍ. إذ فروا من أمام المسلمين خشيةً من لقائهم في أرض المعركة. وبذلك تحققت الغاية الرئيسية من خروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بجيشه للقائهم في مساكنهم. وبالتالي تسلل الخوف من قوة المسلمين إلى باقي القبائل العربية المتربصة بالمسلمين. حتى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام هو وجيشه في موضع ذي أمر شهرًا أو نحو ذلك دون أن يلقى أي مقاومةٍ أو هجومٍ من القوم. ثم ارتحل بجيشه عائدًا إلى المدينة المنورة.

ومن نتائجِ هذه الغزوة إسلام واحدٍ من سادات غطفان المطاعين وذوي الهيبة والنفوذ فيهم. جراء عفو وصفح الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو دعثور بن الحارث. الذي انطلق إلى رسول الله وهو قائمٌ تحت شجرةٍ ينشر ثيابه كي تجف من مطرٍ أصابهم في ذلك الموضع. فقال دعثور وهو حامل سيفًا مصقولًا يريد الفتكَ برسول الله: مَن يمنعكَ منّي؟. فقال رسول الله: الله يمنعني ودفع جبريل عليه السلام دعثورًا فوقع السيف من يده. فأخذه -عليه الصلاة والسلام- فقال له: من يمنعك مني؟. فأجاب دعثور: لا أحد ثم نطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.

من هذه الواقعة استشفت القبائل العربية أنّ محمدًا مرسل من عند الله. إذْ ليس من عادات الملوك والأمراء العفو عن من وقف حاملًا السيف يريد النيل منهم. إلى جانب عصمة الله له من الشر والأذى. كما أنّ هذه الغزوة أسهمت في تقوية جيش المسلمين وتدريبه كي يقوى على مواجهاتٍ أشد في الأيام والسنوات اللاحقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى