قبائل و عائلات

القصة الكاملة لمقتل كليب بن ربيعة التي كانت سببًا لاندلاع حرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب ؟

أسماء صبحي 

هو وائل بن ربيعة بن الحارث بن مرّة بن زهير بن جشم ابن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل. وقد عاش كليب بن ربيعة في العصر الجاهلي ما بين عامي (433م – 492م). وهو أخ المهلهل بن ربيعة وكذلك خال امرئ القيس الكندي وكان سيّدًا على البكريين والتّغليبيين شجاعًا فارسًا لا يُشقّ له غبار. كما كان يعيش في أطراف نجد وامتدّ ملكه حتّى قتله جساس في آخر الأمر ووقعت حرب البسوس إثر ذلك.

حياة كليب بن ربيعة

كان كليب واحدًا من شجعان تغلب وفرسانها وكان ذا رأي حكيمٍ وعقل راجح. وكان بنو بكر وتغلب وبعض القبائل على خلاف دائم مع ملوك اليمن وبينهم مشاحنات عظيمة. فكان مرة في يد أحد ملوك اليمن أسارى من بعض القبائل العربية. ولمَّا طالب وفد من القبائل الملك أن يترك الأسارى أسر من الوفد القادم إليه وطالب بالرؤساء أن يأتوا عنده فيقدموا له الطاعة. ثمّ تسارعت الأحداث واتخد أهل معد كليبًا رئيسًا لهم فكان هو القائد يوم خزاز وانتصر على ملوك اليمن.

أمَّا اسم كليب فهو وائل، وما لقّب بكليب إلا لأنّه كان يحمل معه أينما حلّ جروًا صغيرًا. فإذا مرّ بمكان أعجبة أو روضة أخذها حسنها ضرب ذلك الجرو في المكان فيعوي الجرو عواء عاليًا فلم يجرؤ أي أحد على الاقتراب منه. وقد تزوج كليب من جليلة وهي بنت مرة بن ذهل بن شيبان وهي أخت جساس.

كليب بن ربيعة ملكًا

لمَّا استطاع كليب أن يفض جموع اليمنيّين اجتمع أهل معد عليه، وأجمعوا كلمتهم على أن يكون هو الملك عليهم ولا أحد غيره. حيث صارت طاعته واجبةً على كلّ من قدمها له، وصار له قسم الملك ولا يقطع أحدهم في أمرٍ ذي شأن حتى يأتي يسأله فيه. فلمَّا صارت له تلك الصّولة والجولة وانقادت له كلّ القبائل داخله زهوٌ شديد في نفسه. وكان أول ظلمه وبغيه قد طال بني قومه وأولاد عمومته ووصل به الأمر إلى أن يحمي مواقع السّحاب. فلو أظلّت السحابة أرضًا كانت تلك الأرض في حماه فلا يرعى فيها أي أحد.

كان القوم لا يجرؤون على على إيقاد نار وناره موقدة. ولو أجار وحوش أرضٍ فلا يجرؤ أحدٌ على الاقتراب من تلك الوحوش أو إيذائها. حيث كان قد أصاب كليب عجبًا عظيمًا في نفسه حتّى أنَّه قال لامرأته جليلة ذات مرة: “هل تعلمين على الأرض حرمًا أعزّ منّي ذمّة؟”. فلم ترد عليه فأعاد عليها فلم ترد، فلما أعاد ثالثة ثم قالت له: نعم أخي جساس. وكان من أمثالهم التي تداولوها “هو في حمى كليب” أي: إن كان آمنًا. كما انتشر ذلك المثل ليكون واحدًا من أمثال العرب المتداولة حتى الآن.

مقتل كليب بن ربيعة

لقد زخرت كتب الأدب بقصّة مقتل كليب، وهي كالآتي:

سراب ترعى في حمى كليب

لقد عزّ على كليب أن يسمع من الجليلة أنَّ حمى جساس أعزّ من حماه وأمنع. وصادف أنّ البسوس وهي خالة جسّاس لها ناقة تطلق عليها اسم سراب. وكان كليب كعادته قد حمى أرضًا من الأراضي العالية فلا يرعى فيها سوى جساس للقرابة التي بينهم. ثم خرجت سراب بين إبل جساس ورعت بين إبله فلمَّا رآها كليب أنكرها فأخذ سهمًا من سهامه فرمى ضرع الناقة حتى خالط لبنها دمها. فولت الناقة هاربة حتّى نزلت عند جساس فصرخ من الذل الذي أحاط به. فلمَّا رأت البسوس ذلك صارت تصرخ وتقول وا ذلّاه وبالغت في وصف حزنها.

لمَّا سمع جسَّاس كلام خالته وفجيعتها بناقتها حاول إسكاتها ووعدها أن يقتل في الأيام القادمة جمل أعظم من ناقتها. فلمّا بلغ كليب كلام جسَّاس ظنّ أنّه يريد قتل عليان وهو جمل له، ثم صار يقول هيهات ومن يقدر على قتل عليان. فصار كليب يضيّق عليهم الأمر فمروا على نهر يقال له شبيب فنهاهم كليب عن الشرب منه. ثم مروا على آخر يقال له الأحص فنهاهم عنه أيضًا حتى مروا أخيرًا على الذنائب فشربوا منه.

في الذنائب انفرد جساس بكليب وقال له: كيف تطرد أهلنا عن المياه حتى كاد العطش يقتلهم. فتذكر جساس فعلته بناقة خالته فذكرها له، فكان رد كليب قاسيًا أثار جساسًا. حيث قال له: لو أنَّا رأيناها في غير إبلكم لأخذنا الإبل كاملة، فطعن جساس كليب طعنة أردته قتيلًا.

إخبار المهلهل بموت أخيه

لمَّا وصل الخبر إلى والدة جساس، رأى المهلهل أنَّ حديثًا دار بين همام وأمه. فذكره المهلهل بالعهد الذي بينهم حيث لا يخفي أحدهما شيئًا عن الآخر. فقال له همام إنَّ أخاه قتل كليب فضحك المهلهل وسخر من ذلك. لأنَّ هذا أبعد ما يكون، وعاد إلى خمرته هازئًا من الكلام وصار همّام يشرب معه شرب الخائف المترقب. ولمَّا أفاق وعلم الأمر انتهى عن الغزل والنساء.

انطلاق شرارة الثأر بين البكريين والتغلبيين

بعث التغلبيون بوفد إلى البكريين وقالوا لهم بحكم القرابة التي بيننا فإنَّا لا نعجّل قتالكم حتّى نعذر فيك. وإنَّكم قد قتلتم كليبًا بناقةٍ مسنة وانتهكتم الحرمة التي بيننا فإنَّا أتيناكم بأربعة حلول. إن أتيتم بواحدٍ منها كفينا وإيَّاكم مؤونة الحرب، فأمَّا الحلّ الأول هو أن تعيدوا لنا كليبًا حيًّا. وأمَّا الحلّ الثاني فهو أن تدفعوا لنا بجساس فنقتله لأنّه قاتل كليب. وأمَّا الحل الثالث فهو أن تعطونا همام نقتله فهو كفء لكليب. وأمّا الحل الرابع فهو أن نقتلك أنت يا مرة -وهو والد جسَّاس وهمام-.

رد مرة عليهن قائلا: إنّ إحياء كليب هو مما لا يكون ولن يكون. وأمَّا أن أدفع لكم بجساس فتقتلوه فجساس شاب يافع ضرب ضربته على عجل ولا ندري الآن أي أرض تضمه ولا أي سماء تظله. وفيما يتعلق بـ همام فهو أب لعشرة وأخ لعشرة وعم لعشرة فلا أستطيع دفعه إليكم إذ لن يرضوا بتسليمه لي. وأمَّا أنا فرجل طاعن في السن لا أحب أن أتعجّل الموت فلو دارت الحرب لربّما كنت أول قتيل فيها. ومع هذا فإنّ هناك حلّين، الحل الأول فهؤلاء أبنائي التسعة خذوا منهم واحدًا وانطلقوا به إلى رحالكم واقتلوه. وأمَّا الحل الثاني فأعطيكم ألف ناقة حمراء.

لمَّا سمع التغلبيون الخبر شقّ عليهم أن يعرض عليهم النوق بدلًا عن كليب وقالوا هل يبادلنا دم كليب بلبن النوق. ثم نشبت حرب البسوس فكانت حكاية في الأدب والتاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى