“اللصيمة”.. أشهر الأكلات الشعبية عند بدو سيناء
أميرة جادو
تشتهر سيناء بالعديد من الأكلات الشعبية المميزة التي يقبل عليها جميع المواطنين خاصةً الشباب، وأبرزها “اللصيمة” وهي من الأطباق التي يفضلها بدو سيناء، فهي رفيقة الحل والترحال ورحلات الحصاد والصيد ورفيقة السهرات الشبابية على شاطئ البحر وفى الصحراء والأماكن الخالية.
طريقة تحضير اللصيمة
وفي هذا الإطار، يقول عبد العزيز الغالي، عضو اتحاد كتاب مصر ومؤلف كتاب “مطبخ سيناء”، لـ “صوت القبائل العربية”، أن اللصيمة أحد مفردات التراث السيناوي، وأن السيناويين يشتركون مع أهل جنوب فلسطين في عشقها لبساطتها وسهولة تحضيرها.. مضيفًا أنها تتكون من الدقيق وزيت الزيتون والعجر ” البطيخ الصغير ” والبندورة ” الطماطم ” والفلفل الأخضر والثوم والملح.. حيث يوضع العجر على نار الحطب الهادئة ثم يتم تقشيره بعد الشواء ووضعه في الجرن ” الهون ” أو الباطية ” وعاء الأكل ” ويتم هرسه جيدًا مع إضافة الفلفل والملح والثوم والطماطم حتى يصبح خليطا.
وتابع “الغالي”، يتم عجن الدقيق حسب الكمية وفردها وتحويل العجين إلى ما يشبه القرص، ثم يتم تجنيب الفحم الخاص بالنار ووضع قرص العجين في النار وتغطيتها بالرماد ثم بالجمر، وبعد ذلك يتم تقليبها على الوجه الآخر. وبعد نضوجها يتم استخراجها من النار وتنظيفها بالطرق عليها. حيث يطلق عليها ” اللبة “، مشيرًا إلى أن تقطيع اللبة “قرص الخبز” إلى قطع صغيرة ووضعه على خليط العجر في الباطية ” إناء الطعام ” والتقليب جيدًا.. ثم وضع زيت الزيتون بالكمية المطلوبة، ويتم تقديمها للأكل. حيث أن تناولها يكون باليد وليس بالملعقة أو الشوكة.
اللصمية من مكونات التراث السيناوي
وأشار “الغالي”، إلى أن الكثير يعتقدون أن كلمة «تراث» يقصد بها الآثار وما شابه. الا أن التراث بمفهومه البسيط هو خلاصة ما تخلفه الأجيال السابقة السالفة للأجيال اللاحقة، وهو مصدر الهوية والجذور. وهو علم ثقافي قائم بذاته فكلمة التراث تعنى الإرث، وتأتي أهمية التراث لدوره الفعال في تغذية العقل الجمعي. لهذا كان الحفاظ عليه ونشره ونقله عبر الأجيال والحرص على ضمان استمراريته مسؤولية الجميع بلا استثناء، فالتراث ماديًا أو معنويًا هو ضرورة انسانية وأحد ركائز الهوية “فمن فات قديمه تاه” ، وقديم الانسان هو تراثه وتاريخه .. انه المرآة العاكسة.
وأضاف “الغالي”، إن اللصيمة السيناوية الشهيرة التي يتهافت عليها الغنى والفقير والشباب والشيوخ والأطفال والنساء أحد مكونات تراثنا السيناوي الثقافي.. قائلا : كما أن الكبسة اذا ما ذكرت يتبادر على الفور إلى ذهننا السعودية لأنها أصبحت تراثًا لصيقًا بها ولا ينازعها أحد.. وقس على ذلك فلافل وحمص الشام وتبولة لبنان وكسكسي أو مفتول المغرب العربي ومبكبكة ليبيا وسوشي اليابان وبيتزا الايطاليين.. وهارينج الهولانديين وكافيار البحر الأسود وهامبورجر الأمريكان.. وفواجرا الفرنسيين وغيرها من الأنواع اللصيقة ببلادها. فان اللصيمة هي أكلة عرايشية وجزء من التراث السيناوي.
موسم اللصيمة
كما أكد عضو اتحاد كتاب مصر ومؤلف كتاب “مطبخ سيناء”، خلال حديثه لـ “صوت القبائل العربية”، إن “اللصيمة” من أشهر أطباق وأكلات سيناء وألذها وأحبها وأقربها الى قلوب أبنائها ( بدو وحضر )، اذ يتنسمون فيها عبق الماضي والزمن الجميل. وان كانت مكوناتها لا تعدو أن تكون من المشهيات حين تصنع كسلاطة. ولكنها تصبح طبقًا رئيسيًا حين يضاف اليها الفت “قرص الملة” والذي يصنع من الدقيق ويدفن في رمضاء النار فيتطهر وينضج مكتسبًا طعمًا ومذاقًا لا يقاوم.. وأصبح لها موسم يتزامن مع بواكير وبشاير البطيخ متمثلة في صغار ثمار البطيخ قبل النضج مما يسمى “العجر”. ويلذ تناولها في ليالي الصيف المقمرة.
اللصيمة والتجمعات البدوية
وفي السياق ذاته، أوضح مسعد أبو بدر، الباحث في التراث السيناوي، لـ “صوت القبائل العربية والعائلات المصرية”، أن للصيمة فوائد كثيرة، فهي تمنح الشخص طاقة كبيرة خاصة في فصل الشتاء. وتعتبر مضادًا حيويًا طبيعيا لنزلات البرد وأمراض الشتاء. علاوة على أن زيت الزيتون يساعد المعدة على هضم الطعام ويعمل كملين للمعدة، والفلفل الأخضر يحارب كثيرا من الفيروسات داخل الجسد.
ولفت “أبو بدر”، إلى أن اللصيمة من الأكلات الجماعية لا تتم ولا يستطاب طعمها الا بوجود صحبة أو جماعة تتعاون على صنعها وتسويتها، فهي عمل جماعي. ومازال أهل سيناء يحافظون على تقاليدها وطقوسها ويأكلونها في رحلاتهم الخلوية بالبر. وفى مدينة العريش تحايل الناس على الطبيعة داخل مدينتهم ووجدوا ضالتهم في شارع العشرين باتساعه وكثرة الغرود الرملية حوله. مما يحاكى البر فيزدحم في موسم “العجر” بكثرة مرتاديه مساء كل يوم ويزداد الازدحام كل يوم خميس / ليلة الجمعة من عشاق اللصيمة حتى نسى الناس اسم الشارع الأصلي وصار يسمى بشارع اللصايم.
وأكد “أبو بدر”، أن اللصيمة واحدة من مكونات هذا التراث مثلها في ذلك مثل أكلات عديدة اشتهرت بها سيناء. مثل : ( الجريشة – الرقاقة – حرقة الأصبع – الطشطاشة – المنسف – المقلوبة – السمان – الصيادية – البيض المقعد – وأخيرا شهقة العجوزة).. مضيفًا أن أصبح التراث السيناوي ( ومن ضمنه اللصيمة ) إحدى ابتكارات الفرد السيناوي لتلبية لحاجات المجتمع. ومستغلًا لمنتجات الطبيعة من البيئة البرية الخاصة والمحيطة به. وبما يتناسب مع احتياجاته الشخصية والمعيشية.
وأختتم “أبو بدر” حديثه، قائلًا : “أن حبنا للصيمة ودون أن نشعر هو حفاظ منا على موروثنا الثقافي الخاص بالطعام.. ونراه تواصلًا مع آبائنا وأجدادنا ونعتبره اعتزازًا وتميزًا بشخصيتنا”.