تاريخ ومزارات

“قطعت رأس ابنها”.. حكاية مسجد أم الغلام في القاهرة حقيقة أم خيال!

دعاء رحيل
عندما قام الأمير المملوكي الجركسي محمد برد بك الأشرفي، بتشييد مسجد يحمل اسمه “جامع برد بك” ليخلده التاريخ، لم يتخيل أن التاريخ سيجعل له لوحة المسجد فقط، فهي ما بقيت للذكرى، في حين تحول الناس عنه لمقام صغير ملاصق له، لا يعرف على وجه الدقة قصة صاحبته، لكن المؤكد أن المقام لامرأتين.
 
إحداهما سمي المقام والمسجد الصغير الملاصق له باسمها، ثم الشارع كله حمل ذات الاسم، وصارت “أم الغلام” هي السيرة التي لا يعرف أحد مدى صحتها، وقد أغلق زلزال 1992 مسجد برد بك، الملاصق لها حتى الآن، فبقيت نساء المقام من دون مزاحمة من الجار الجركسي.
 

مساحته

يعد “أم الغلام”، مسجد صغير لا تتجاوز مساحته 20 مترا، لا تقام فيه الصلوات، فهو -حسب الروايات- مقام للفاطمتين، إحداهما فاطمة بنت الحسن بن علي، والأخرى تدعى فاطمة أم الغلام، يزوره المحبون، ويتبرك به المحرومون، وفق ما يعتقدون، فيأتيه الزوار بلا موعد محدد، لا من أجل زيارة سنوية أو مولد، وإنما للدعاء على أمل قضاء الحاجات.
 
والغالبية من الزوار يعتقدون أن أم الغلام هي ابنة الحسين، التي دفنت بجوار أبيها، أو يصدق الآخرون بعض القصص الأخرى أن المقام لسيدة افتدت رأس الحسين برأس ابنها عندما حاول جنود يزيد بن معاوية خطفه، كما تقول الأسطورة الشائعة في الحي ولدى بعض روايات الصوفية.
 
شاهدان بعمائم خضر، هما أول ما يقابلك عند نزولك السلالم السبعة لتبدأ رحلة الاستكشاف لمقام أم الغلام، على أحدهما اسم فاطمة بنت الحسن بن علي، والشاهد الثاني هو ما تعددت حوله الروايات، والتي يتحدث عنها الدكتور تهامي يوسف، رئيس تفتيش آثار منطقة الجمالية بالقاهرة، التابع لوزارة الآثار المصرية.
 
يقول الدكتور تهامي يوسف، إن المقام قيل فيه العديد من الأساطير، من بينها أن صاحبته هي ابنة كسرى ملك الفرس، شهربانو جهان شاه بنت يزدرجد” وبعد اعتناقها الإسلام سُميت فاطمة، وهي أشهر زوجات الإمام الحسين، واسمها بالفعل هو الاسم المدون على الضريح، لكن وفق الخبير الأثري، فهذه الرواية غير صحيحة، لأن الإمام الحسين استشهد عام 60 للهجرة، بينما أسست مدينة القاهرة عام 358 للهجرة.
 

تعددت الروايات

والرواية الثانية التي يتم تداولها عن صاحبة أم الغلام والمسجد والمقام، يرويها الدكتور تهامي في تصريحات سابقة وهي أنها السيدة حورية بنت الحسين، وجاءت في رحلة السيدة زينب بنت الإمام علي لمصر، عقب هروبهم من الدولة الأموية على أثر معركة كربلاء، واختارت زينب مصر لتستقر بها من أجل أن تحمي رأس الحسين، وتعيش فيها مع أبناء أخيها، وآخر ذرية آل البيت زين الدين العابدين بن علي وشقيقته “حورية” أو زينب الصغرى كما كان يطلق عليها الإمام الحسين، وقيل عن السيدة حورية إنها كانت تعالج المصريين وتقدم لهم الطعام والشراب، لذا صاروا يتبركون بها وينشدون مساعدتها.
 
لكن الدكتور يوسف، ينفي هذه المزاعم الصوفية، مؤكدا أن الضريح ليس لهذه الشخصية، وكذلك المسجد المقام باسمها في مدينة بني سويف المصرية، مضيفا أن هذا الضريح هو ضريح رؤيا وليس مقام جسد، فابنة الحسين دفنت بجوار أبيها.
 
أما أسطورة السيدة التي قطعت رأس ابنها لتفتدي به رأس الحسين فهي محض خيال المصريين العاشق لبيت النبوة والقادر على خلق نزعة أسطورية على كل ما يخص رحلة الرأس الشريف إلى مصر، فقيل إن الرأس طار من بغداد إلى مصر، وقيل إنه اختار موقع الدفن. ومن بين الأساطير تلك الأسطورة لامرأة مسيحية مرت بكربلاء وقت الحرب، وأخذت الرأس الشريف واستبدلت به رأس غلامها الذي قدمت رأسه لجنود يزيد، ثم جاءت برأس الحسين إلى مصر.
 
ورغم تعدد الروايات لا يهتم المصريون بالحقيقة وراء المسجد، فالأهم أن رائحة البخور تعبق بالمكان كل يوم، والسلالم الرخامية السبعة تزدحم بالأقدام، وأن باب المقام يبقى مفتوحا أمام القادمين من كل بقاع مصر يسألون أم الغلام -والعياذ بالله- ولا يسألون عنها.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى