عادات و تقاليد

التعصب عند القبائل العربية في العصر الجاهلي.. وهكذا قضى عليه الإسلام

أسماء صبحي
 
التعصب أو العصبية عند القبائل العربية، هى مصطلح عربي متوارث منذ آلاف السنوات، ويرادفه في المعنى العديد من المصطلحات الأخرى مثل “النزعة القبلية، العنصرية القبلية أو النزعة العشائرية”، ويقول ابن منظور أن (العصبية والتعصب) كليهما يحملان المعنى ذاته، والعصبة تشير إلى الأقارب من جهة الأب يتعصب لهم ويعصبونه أي يشتد بهم ويحيطون به، فالعصبية أو التعصب هو المدافعة والمحاماة والنصرة لشئ ما.
 
والتعصب في الاصطلاح يشير إلى الموالاة بشكل متناهي إلى القبيلة أو العائلة أو العشيرة، والعمل على نصرتها سواء كانت ظالمة أو مظلومة، مع إظهار التشدد والعدائية تجاه القبائل الأخرى والسبب الوحيد في ذلك عدم انتمائهم إليها، حيث يقوم الرجل بدعوة قومه وأهله لينصره فينصروه دون النظر لما إذا كان ظالماً أم مظلوماً، وهي فطرة الإنسان وطبيعته في الميل لأهله وأقاربه.
 
ولكن إن لم يكلل هذا التعصب ذلك بالعدل، فسوف يكون له آثار سلبية في غاية الخطورة، حيث تمثل أحد الأسباب الصريحة التي تجلب الاعتداء والظلم للضعفاء، وقد كان ذلك الحال منتشراً بالعصر الجاهلي.
 

العصبية القبلية في العصر الجاهلي

كان المجتمع الجاهلي أكثر الأقوام الذين عرفوا على مر التاريخ بالتعصب لأهلهم وعشائرهم، والسبب الأبرز في ذلك طبيعة الحياة آنذاك، حيث كان العرب جميعهم يعيشون في صورة قبائل متفرقة تتنقل ما بين الحضر والبادية.
 
وكان القانون لدى قبائل العرب هو الأعراف والتقاليد والعادات التي كانت تختلف ما بين قبيلة وأخرى، ومنذ ذلك الوقت وكانت كل قبيلة من شدة تمسكها بتلك العادات والتقاليد يبلغ بهم الأمر حد التعصب وهو ما ورد الدليل عليه فيما ذكر عنهم من أشعار ونثر جاهلي وغيرها من الوصايا والخطب والسجع، حيث كان الرجل بالقبيلة يتعصب لأهله وقبيلته، وكانت العصبية تمتد للقبائل التي تجمع قبيلتها دم أو مصاهرة أو القبائل من أب واحد.
 

أسباب التعصب القبلي

تعتبر العصبية القبلية واحدة من أخطر المشكلات التي واجهها المجتمع، ولذلك لا بد من الوقوف على أسبابها والتعرف عليها لكي يصبح من الممكن محاربتها والقضاء عليها، خاصة في حالة كانت العصبية القبلية تعادي الدين وتتنافى مع الأخلاق، فتصبح حينها سبب في انتشار الفتنة بين الناس، ومن أهم الأسباب التي تُؤدي إلى العصبية القبلية التالي:
 
  • ضعف الوازع الديني والابتعاد عن الدين الذي يدفع بالناس للانتماء والاعتقاد في أمور أخرى غير الدين، وبالتالي يبدأون في المفاضلة بين بعضهم بعضًا على أساس العرق والنسب.
  • الصراع بين أبناء القبائل على المناصب، والنظر إلى الوظائف والأعمال على أساس القبلية الشخصية دون النظر للكفاءة أو وضع المهارة بعين الاعتبار.
  • انتشار التخلف والجهل بين أفراد المجتمعات، وانعدام الوعي بمدى ما تحمله العصبية القبلية من مخاطر جسيمة على الأفراد والمجتمعات.
  • التربية الآباء للأبناء تربية غير صحيحة أو سليمة، وزرع التعصب القبلي بعقلهم ونفسهم بالأقوال والأفعال.
  • عدم الانفتاح وانغلاق المجتمع القبلي على نفسه.
  • غياب القدوة الحسنة بالعائلات والقبائل، ومن يعيش بينهم من أفراد يحرضون على التعصب.
 

الآثار المترتبة على التعصب القبلي

تُعتبر العصبية القبلية أحد الأمور التي تركتها الجاهلية من إرث ورواسب لا تزال بعض المجتمعات ومن يعيش بها من أفراد يتمسكون بها بغير وعي أو إدراك بمدى ما تحمله من خطورة على المجتمع، لذلك لا بد من الانتباه إليها كي لا تنتشر وتتفشى بالمجتمعات، خاصةً أنّ العديد من الناس صاروا يعتمدون عليها في تربية أبنائهم دون شعور منهم، حيث يكتب الطفل توجهات أهله القبلية ويتمسك بها بل وقد يتشدد بها أكثر، ومن أبرز النتائج والآثار التي قد يصاب بها المجتمع نتيجة انتشار العصبية القبلية التالي:
 
  • التناحر والفرقة بين أفراد المجتمع الأمر الذي قد يصل إلى سفك الدماء وقيام الحروب وتفرّقة الكلمة والقلوب.
  • نبذ الأخلاق وتشوّه الفكر المجتمعي، حيث تتناقض العصبية القبلية مع ذلك الفكر تمام التناقض.
  • تفكك المجتمع وما يربط بين أفراده من روابط تضعف شوكته، وتغذية السطوة فيما بين القبائل التي تعيش بداخله وتسلط الكبيرة منها على الصغيرة دون سبب أو مبرر أو وجه حق، بما يترتب عليه خلق الفجوات بين طبقات المجتمع ونشوب الكراهية والشعور بالدونية فيما بين أبنائه.
  • تدعو إلى الثأر بين العشائر والقبائل، الذي يتبعه وقوع الجرائم التي يشترك فيها ويقودها أفراد عشيرة أو قبيلة بأكملها حتى يثأروا لأي أمر قد يمسّ أحد أبناء عشيرتهم، وهو ما يترتب عليه وقوع المشكلات والمصائب التي يصعب حينها إيجاد حل لها.
  • انتشار الفتنة والنعرات بين أفراد المجتمع، ووقوع الكثير من المشاكل والمشاحانات التي يستجيب لها ضعاف العقول والقلوب.
 

كيف عالج الإسلام التعصب القبلي

العصبية القبلية من الأمور والسلوكيات المذمومة التي نهى عنها الدين الإسلامي كما نبذها الرسول صلى الله عليه وسلم ناهياً أصحابه عن فعلها وإتيانها، حيث يترتب عليها في الكثير من الأحيان نصرة الباطل على الحق، فتصبح الغلبة بيد الأقوياء يظلمون بها الضعفاء.
 
وحين أنزل الله رسالته على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قضى من خلالها على جميع مظاهر العصبية القبلية نهي قطعي، ولم يسمح إلا بالعصبية للعقيدة الإسلامية ورابطة الدين، وأن المفاضلة بين العباد لا تكون إلا بالتقوى، دون نظر لعرق ولا نسب ولا جنس ولا قبيلة.
 
وفي ذلك ورد قول الله تعالى (نَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، “الحجرات: 5″، كما قال سبحانه: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) “الحجرات: 15″، وفي الآيات الكريمة تلك دليل واضح على أن الدين الإسلامي لم يدعوا للتعصب إلى غير الدين والأخوة به، ومحاربته للعصبية القبلية ونبذها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى