حسام مجدي
تحتفل بعض القبائل بالأفراح وبمناسبات الزواج، عن طريق التغنّي بأشكال من الفلكلور البدوي الأصيل من خلال أغاني توضّح مجد وقوة تلك القبائل، وتختلف عدد الليالي من قبيلة إلى أخرى سواء بالسامر أو كف العرب أو المجرونة وهي حركات وأغاني شعبية.
وتسجل المهرجانات التراثية والأعراس الشعبية عودة لافتة إلى أحد أشهر الفنون التراثية الفريدة من نوعها في الدولة، والمرتبطة بالقبائل الجبلية، إنه فن الندبة، الذي يستقطب أعداداً كبيرة من الأجيال الجديدة، التي تحرص على إتقانه والمشاركة في أدائه، حفاظاً على تراث الآباء.
الندبة، فن تراثي (صوتي) متوارث، تشتهر به قبائل الشحوح والحبوس والظهوريين وبني شميلي، ويعتمد على قدرات صوتية خاصة لدى المؤدي الرئيسي له، فيما يتحلق حوله عدد من رجال القبيلة، على شكل حلقة شبه دائرية، مرددين أصواتا محددة غامضة، على نسق معين متعارف عليه، ويشهد الصوت صعوداً تدريجياً وهبوطاً موازياً في نبرته، ويردد الرجال وراءه بأصوات مماثلة، وإن كانت أقل ارتفاعا، دون أن تصاحب تلك الأصوات كلمات أو تعابير لغوية تذكر، إذ يكاد يعتمد على الصوت ودلالاته، باستثناء كلمتين فقط، يرددهما ثلاث مرات تشيران إلى اسم القبيلة واعتزازها بنفسها.
ويشترط وفقاً لأصول هذا الفن التراثي الإماراتي الخالص مشاركة عدد لا يقل عن ثلاثة رجال في أدائه، ولا يزيد على عشرة، وفي حال ازدياد العدد عن ذلك يتحولون إلى تشكيل حلقة ثانية وثالثة وهكذا، وتسمى كل مجموعة بالكبكوب. ويلجأ قائد الندبة المعروف شعبياً باسم النديب إلى رفع ذراعه اليمنى، ملوحاً بها بصورة متكررة وهي مثنية، وقريبة من الجانب الأيمن من رأسه على مقربة من أذنه، في حين يغلق بكفه اليسرى أذنه الأخرى.
الأصوات المجردة في فن الندبة تثير التساؤلات عن دلالاتها، ما يتطلب دراسة معمقة لأصول هذا الفن الشعبي وتطوره، لاسيما أن كثيرين من هواته والمحافظين عليه، خاصة الشباب، لا يملكون تفسيراً واضحاً لمعانيه.
وتختلف وجهات نظر أصحاب هذا الفن في تفسير معاني ودلالات الأصوات المجردة في الندبة، في حين ترى بعض القبائل أن فن الندبة كان في السابق مستخدماً خلال الأعراس تحديداً، ويلجأ إليه الضيوف القادمون من مناطق مختلفة، للفت نظر أصحاب العرس إلى قدومهم، لاستقبالهم وتأدية واجب الضيافة والترحيب بهم. ويعتقد أن تلك الوظيفة الاجتماعية الخالصة تطورت مع تحولات العصر إلى مجرد تراث يتداوله الشواب ويتناقله شباب القبائل.
ويرى البعض الآخر إلى أن الندبة تتطلب من المؤدي الرئيسي أن تكون له مقدرة صوتية وموهبة من نوع خاص، مؤكدا أن أعداداً كبيرة من الشباب من أبناء القبائل في المناطق الجبلية تقبل على ممارسة الندبة، التي توارثناها عن آبائنا. لكنه يعتبر أن هذا الفن يعكس شكلاً من البهجة بالأعراس، يتم التعبير عنها بالصوت المجرد، عوضا عن الكلام والتعابير اللغوية، وتتم ممارسته بعد تناول طعام العشاء أو الغداء بصورة جماعية. وتضفي الندبة جوا خاصا من البهجة والأصالة على المناسبات الشعبية والتراثية والأعراس والولائم، ويحافظ عليها أبناء القبائل جيلاً بعد جيل.