حوارات و تقارير
“فورين بوليسي”: “إلى أي محطة سوف تقف الحرب بين بوتين وأوكرانيا
دعاء رحيل
“هناك توقعات بأن الحرب بأوكرانيا ستزداد سوءا قبل أن تتحسن”، حسب ما ذكره لمجلة أميركية مسؤول أوروبي اشترط عدم ذكر اسمه، ورغم أن هناك القليل من الإجماع حول ما قد يحمله المستقبل لأوكرانيا، فإن مجلة فورين بوليسي Foreign Policy الأميركية استخلصت 5 سيناريوهات محتملة لتطور هذا الصراع.
ذكرت المجلة في تقرير لها عن الموضوع إنها تحدثت إلى أكثر من 10 مسؤولين أميركيين وأوروبيين إضافة لعدد من كبار المحللين العسكريين والخبراء الإقليميين حول تقييمهم لمآلات حرب أوكرانيا الحالية.
كما لفتت المجلة إلى أن الكثيرين سارعوا للإشارة إلى أن الحرب بطبيعتها لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه، لكن مع استمرار الحرب على أوكرانيا ودخولها شهرها الثاني، ثمة توقعات بـ5 سيناريوهات محتملة، وقد تتضمن النتيجة النهائية للحرب مزيجا من تلك التوقعات، وفقا للمجلة.
السيناريو الأول: طريق مسدود ومزيد من الدماء
بعد شهر من الأعمال القتالية المكثفة يبدو أن تحقيق انتصار واضح لأي من الجانبين أصبح بعيد المنال، الأمر الذي جعل المحللين والمسؤولين الغربيين يعبرون عن خشيتهم من أن الأسوأ ربما لم يأت بعد، حيث لا يظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي مؤشرات على عزمه التراجع أو وقف القصف الروسي العشوائي للمدن الأوكرانية والأهداف المدنية والعسكرية.
فرغم إرسال روسيا ما يقرب من 200 ألف جندي إلى أوكرانيا، فإنها تعثرت بسبب عدم الكفاءة والمقاومة الأوكرانية الشرسة، ولم تستول بعد شهر من النزاع سوى على أطراف من الأراضي على طول الحدود الشرقية لأوكرانيا وعلى مدينة أوكرانية رئيسية واحدة (خيرسون على الساحل الجنوبي) رغم أن وزارة الدفاع الأميركية قالت يوم الجمعة إن القوات الروسية فقدت السيطرة على أجزاء من تلك المدينة.
وحسب مسؤول أميركي من غير المرجح أن تكون روسيا قادرة على إنقاذ عمليتها العسكرية وهي الآن منهمكة في دراسة كيفية إعادة إمداد قواتها وإحضار التعزيزات، مما قد يجعل الهجوم المضاد في أوكرانيا أكثر صعوبة، لكن أحد السيناريوهات الأكثر ترجيحًا هو حالة من الجمود، حيث لا يستطيع أي من الطرفين تحقيق مكاسب دراماتيكية على الأرض ولكنه يسعى إلى إرهاق الطرف الآخر في حرب استنزاف حقيقية.
لكن كيف ستنتهي حرب الاستنزاف؟ هذا ما يجيب عنه مايكل كوفمان، الخبير في الشؤون العسكرية الروسية في مركز الأبحاث سي إن إيه CNA: “الإجابة الصادقة هي أن الأمر غير محسوم، فقد سمعت من يقولون عن الانتصار فيها سيكون لروسيا لأن لديها جيشا أكبر وعتادا أوفر، لكن ثمة من يقولون إن الكفة ستميل لصالح أوكرانيا لأن لديها تصميما أقوى وروسيا ليست لديها القوة البشرية الكافية لاحتلال البلاد”.
السيناريو الثاني: تقسيم أوكرانيا
في خطاب ألقاه يوم الجمعة الماضي، قال سيرغي رودسكوي، رئيس مديرية العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية، إن “الأهداف الرئيسية للمرحلة الأولى من العملية قد تحققت بشكل عام” وإن الهدف الأساسي للعملية العسكرية الروسية سيركز الآن على “تحرير دونباس”.
ويوم الأحد الماضي حذر الجنرال كيريلو بودانوف، رئيس الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية، من أن موسكو قد تسعى إلى تقسيم بلاده إلى مناطق محتلة ومناطق غير محتلة و”إنشاء كوريا الشمالية والجنوبية في أوكرانيا”.
ونقلت المجلة في هذا الإطار عن مسؤول أوروبي آخر اشترط عدم ذكر اسمه قوله إن ما يخشاه الأوكرانيون اليوم هو سقوط مدينة ماريوبول المحاصرة في جنوب شرق أوكرانيا في أيدي الروس، وهو ما يتوقع أن يتم في غضون أسبوع، مما يمنح القوات الروسية موطئ قدم قويا يمكن من خلاله الدفع شمالًا والالتحام مع القوات القادمة جنوبًا من خاركيف، مضيفا أن الروس “بمجرد حصولهم على أراضي دونباس ودونيتسك، سيبدؤون التفاوض، لأنهم فقدوا بالفعل الكثير من الجنود”، ومثل هذه الخطوة يمكن أن تترك القوات الأوكرانية العاملة في ما يسمى منطقة عمليات القوات المشتركة (JFO) في شرق أوكرانيا محاصرة.
ومن شأن هذا أن يمنع القوات الأوكرانية المحاصرة من تعزيز المدن الأوكرانية في الغرب، مثل كييف، ويسمح لروسيا بالضغط من أجل مزيد من الحكم الذاتي خارج ما يسمى بالجمهوريات الشعبية في دونيتسك ولوهانسك، والتي استخدمها بوتين مبررا للحرب، كما أن الاستيلاء على مزيد من الأراضي في المنطقة من شأنه أن يمنح بوتين رواية يروجها للجمهور الروسي.
ونقلت المجلة عن مسؤولين وخبراء قولهم إن أوكرانيا من المرجح أن تشن تمردًا شرسًا بدل الاستسلام للمحتلين الروس، خاصة بعد نهاية حرب ضارية قد تؤدي إلى استنفاد القوات الروسية تمامًا، ومن غير المرجح أن يوافق الجمهور الأوكراني، الذي يرى الآن الانتصار على أنه نتيجة محتملة، على اتفاق سلام مبكر يمنح روسيا أجزاء من أراضي بلدهم.
السيناريو االثالث: نصر حاسم
بعد شهر من الأخطاء العسكرية لروسيا وتكشف النقائص في جودة قواتها وإمداداتها ومعداتها ولوجستياتها، هناك العديد من خبراء الدفاع والأمن في الغرب الذين توصلوا إلى استنتاج مفاده أن انتصارًا روسيًا واسع النطاق -أي الاحتلال الكامل لأوكرانيا وسقوط الحكومة الأوكرانية الموالية للغرب- أصبح أمرا مستبعدا للغاية.
لكن هذا لا يعني، بالضرورة، أن النصر الكامل لأوكرانيا أمر محتمل أيضًا، إذ قد أثار الجيش الأوكراني إعجاب الخبراء بعزمه وتكتيكاته المتفوقة، لكنه لا يزال يفتقر إلى العدد والسلاح، كما أن بوتين لم يلمح إلى أن الخسائر الفادحة للجيش الروسي -ناهيك عن الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها غزوه- ستدفع موسكو إلى الانسحاب الكامل.
وفي هذا الصدد الخبير في القضايا الأمنية الروسية في مؤسسة راند صموئيل شاراب “يمكننا أن نتصور جمودا روسيا أو على الأقل عدم تقدم، لكن ذلك لا يعني أنهم سيهزمون عسكريا”.
ويرى ويليام تايلور، الباحث في معهد السلام الأميركي وسفير الولايات المتحدة السابق في أوكرانيا، أن “هناك احتمالا لسيناريو لا يمكن أن ينتصر فيه بوتين، لكنه يرفض أيضًا الخسارة”، وفي هذه الحالة يرى تايلور أن “من السابق لأوانه الحديث عن نصر أوكراني، لكنني لن استبعد ذلك”، مضيفا أن “هناك احتمالا كبيرا ألا يتمكن الجيش الروسي من حل مشاكله الرئيسية” مما قد يتسبب في انهياره، وفقا لتايلور.
السيناريو الرابع: اتفاق سلام
نظرا لأن النصر العسكري الشامل يبدو بعيد المنال لكلا الجانبين، فإن الطريقة الأكثر ترجيحا لإنهاء الحرب هي من خلال نوع من اتفاق السلام، وهو ما تنقل الصحيفة عن خبير قوله “من المرجح أن ينتهي هذا الصراع بتسوية تفاوضية، لكن السؤال هو متى وبأي شروط؟”.
ويقول دميتري ألبيروفيتش، وهو خبير في الأمن السيبراني في مركز سيلفرادو الأميركي للسياسة “قد يكون هناك وقف لإطلاق النار هنا وهناك، وقد نشهد التوقيع على وقف إطلاق نار تكتيكي، لكنه لن يدوم “.
السيناريو الخامس: أحداث لم تكن في الحسبان
هذا السيناريو، وفقا للمجلة، هو بطبيعته الأكثر صعوبة في التنبؤ به، ولكن يمكن أن يكون له تأثير عميق على مسار الحرب، مثل استخدام الأسلحة الكيميائية أو النووية، أو تغيير نظام الحكم في موسكو.
ويقول مسؤولون عسكريون كبار سابقون لمجلة فورين بوليسي إن روسيا يمكن أن تستخدم الأسلحة الكيميائية في ساحة المعركة كعمل يائس، بسبب استعداد الجيش لاستهداف المدنيين.
والاحتمال الآخر الذي يخشى مسؤولون أميركيون وأوروبيون منه هو السيناريو الذي تستخدم فيه روسيا سلاحًا نوويًا منخفض القوة في أوكرانيا، لكن مسؤولين تحدثوا إلى فورين بوليسي أكدوا أن مثل هذا السيناريو لا يزال مستبعدًا للغاية، غير أنهم لفتوا إلى أن مخططي الدفاع الغربيين لا يزالون مضطرين للتخطيط لجميع الحالات الطارئة المحتملة، وأشارت المجلة إلى أن أي هجوم نووي يمكن أن يغير مسار الحرب ويغير بشكل جذري رد الغرب، مما قد يضع الناتو في حالة حرب مفتوحة مع روسيا.
أما الصدمة الأخيرة التي يمكن أن تغير مسار الحرب بشكل جذري فهي الإطاحة ببوتين من السلطة، رغم أن معظم الخبراء يتفقون على أن هذا غير مرجح في هذه المرحلة.