حوارات و تقارير
روسيا VS أوكرانيا.. كيف ستتأثر دول التعاون الخليجي بتداعيات الحرب بين البلدين؟
أسماء صبحي
ما بدء الأسبوع الثالث للحرب الروسية في أوكرانيا، بدأت تداعيات الغزو الروسي تتكشف على جوانب سياسية وأمنية واقتصادية وغذائية وخاصةً في مجال الطاقة، وبما أن دول مجلس التعاون الخليجي، تعد أحد أبرز اللاعبين في سوق النفط والغاز، تأتي الحاجة إلى فهم كيف ستتأثر هذه الدول بتداعيات الحرب؟ ومَن مِن بينها سيكون الأكثر تضررًا؟.
حرب الطاقة
خلال الحرب الروسية الأوكرانية ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير، وقد يبدو منطقيا لدى الكثيرين أن الدول المصدّرة للنفط وخاصةً دول الخليج هي المستفيد الأكبر من هذا الارتفاع، حيث تنعكس هذه الزيادات الكبيرة في الأسعار على ميزانيات هذه الدول التي يمثل النفط المصدر الأساسي للدخل فيها، كما أنها ستسرّع خطط هذه الدول لتجاوز تداعيات جائحة كورونا المستمرة منذ أكثر من عامين.
إلا أن المملكة العربية السعودية وهي عضو ذو سلطة في تجمّع أوبك بلاس، أعلنت في أكثر من مناسبة عن رغبتها في ألا يتخطى سعر برميل النفط 100 دولار أمريكي، وهو الحدّ الذي تعتبره المملكة آمنا في السوق النفطي العالمي.
كما جاء تصريح سابق لوزير الطاقة القطري سعد الكعبي، ليؤكد عدم رغبة بلاده في وصول أسعار الغاز إلى مستويات مرتفعة جدا، بالرغم من أنها من أكبر منتجي ومصدّري الغاز في العالم، والسؤال هنا لماذا تنتاب دول الخليج مخاوف من ارتفاع أسعار النفط والغاز، إن كانت هذه الارتفاعات ستساهم في زيادة مداخيلها؟
تسويق للطاقة البديلة
ومن جهته، أكد رايان بوول، كبير المحللين في “رين إنتلجنس”، أن ارتفاع أسعار النفط سيكون له جوانب سلبية على دول الخليج، حيث أن استمرار ارتفاع الأسعار، واستمرار الحظر الغربي على النفط الروسي، سيسوّق للطاقة البديلة وهذا ما لا تريده دول الخليج، لأنها لا تريد إزاحة النفط من الواجهة وإلحاق الضرر بإنتاجها النفطي وبالتالي بعائداتها النفطية،
وأضاف بوول، أنه من مصلحة دول الخليج التحكم بالأسعار بحيث تبقى في حدود معقولة كتلك التي تنادي بها وهي مئة دولار للبرميل كحدّ أقصى.
الأمن الغذائي
وبالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، يشغل أمر آخر بال العالم وهو الأمن الغذائي، حيث أن أوكرانيا وروسيا من أكبر مصدري القمح والحبوب والزيوت النباتية والمواد الزراعية والأسمدة، والتي من المتوقع أن ترتفع أسعارها بسبب كلفة النقل والشحن المرتبطة بأسعار النفط، فضلا عن تعثر إمداداتها نتيجة للصراع الدائر.
ولا تعتبر دول مجلس الخليج استثناءً، نظرًا لكونها تعتمد في موادها الغذائية على الاستيراد بشكل شبه كامل، وبالتالي فإن زيادة أسعار النفط ستحمّل هذه الدول مزيدًا من الإنفاق لأن تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي سترتفع عالميا.
ومن جهته، خفف الخبير الاقتصادي الكويتي محمد رمضان، من تداعيات هذه الأزمة على الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث قال إن الدول الخليجية تستورد موادها الغذائية من شتى دول العالم وليس فقط من أوكرانيا وروسيا، وبالتالي ليست لديها مشكلة في تأمين احتياجاتها الغذائية، حتى لو ارتفعت أسعار هذه المواد، والسبب يعود إلى انخفاض الكثافة السكانية في بلدان الخليج إمكانياتها المادية المتاحة لتأمين هذه الاحتياجات الأساسية.
وقال رمضان إنه حال حدوث أي نقص في الإمدادات، تستطيع دول الخليج شراء مزارع في مختلف أنحاء العالم لتأمين احتياجاتها الغذائية الأساسية.
كما قال رايان بوول، إن دول الخليج لديها المرونة الكافية للتعامل مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلا أنه يرى في المقابل، أن هذه الدول لديها مخاوف تجاه حلفائها في المنطقة كالمغرب ومصر والأردن، ويتساءل بوول عن مدى قدرة الدول الخليجية على مدّ حلفائها بالمواد الغذائية الأساسية في حال استمرت الحرب، لاسيما وأن العالم ما زال يعاني من تداعيات جائحة كورونا.
السياحة الإماراتية
وعلى صعيد آخر، تؤثر العقوبات المفروضة على روسيا وتدهور عملتها سلبيًا على السياحة في دبي، حيث أنها الوجهة المفضّلة للروس من بين بقية دول الخليج، ففي عام 2021 زار دبي أكثر من نصف مليون سائح روسي بالرغم من قيود جائحة كورونا.
وقبل الحرب الروسية الأوكرانية، أشارت آخر الأرقام إلى أن حجم السياحة الروسية في الإمارات سيتجاوز المليار دولار أمريكي في السنوات الأربع القادمة، في ضوء حلول السياح الروس في المرتبة الثانية من حيث العدد، فضلا عن أنهم يميلون إلى الإنفاث أكثر من نظرائهم الأوروبيين ويمكثون لفترات أطول من غيرهم.
إلا أن القيود المفروضة على بطاقاتهم الائتمانية، قد تؤدي إلى عدم قدرة هؤلاء للسفر إلى الإمارات، وهو ما قد يؤثر على الناتج المحلي للبلد الخليجي الذي تشكل السياحة حوالي 11 في المئة من ناتجه المحلي الإجمالي، بقيمة تقدر بنحو 165 مليار درهم إماراتي (أي ما يعادل 45 مليار دولار أميركي).
هل سيتغيّر موقف دول الخليج
شهدت السنوات الماضية انعطافا لافتًا في السياسة الخارجية لدول الخليج فيما يخص علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، حيث نسجت هذه البلدان علاقات سياسية واقتصادية وثقافية ورياضية مع أبرز منافسي وخصوم واشنطن وهما الصين وروسيا.
وقد تمكنّت الصين وروسيا من زيادة التبادل التجاري بينها وبين دول الخليج إلى ٥ مليارات دولار أميركي في عام 2021، غالبيتها مع السعودية والإمارات العربية المتحدة، بعد أن كانت نسبة التبادل التجاري بينهم لا تتجاوز 3 مليارات دولار أميركي عام 2016.
وفي ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، ودخول العالم بأسره في دوامة لا تعرف لها نهاية، وفي وقت أظهرت فيه دول مجلس التعاون الخليجي، أنها لا تريد الانجرار إلى جدار العزلة الذي يبنيه الغرب في وجه موسكو، لكن للمستقبل حسابات أخرى تتوقف على المدى الزمني المتوقّع للحرب ولنتائجها.