قلق أوروبي.. التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية
أسماء صبحي
حالة من القلق الشديد تعيشها شعوب القارة الأوروبية، خاصة داخل الأوساط الاقتصادية، وذلك بعد بدء الحرب الروسية الواسعة في أوكرانيا، حيث من المتوقع أن تتسبب هذه الحرب في جملة من التبعات الاقتصادية والآثار المؤلمة التي قد تؤثر على القارة الأوروبية بأكملها، خاصة إذا طال أمد الحرب، حيث حذر مجموعة من الاقتصاديين الأوروبيين من أن غزو روسيا لأوكرانيا سيؤدي إلى ارتفاع حاد في التضخم، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة المعيشة التي وصلت بالفعل إلى أعلى المستويات منذ ثلاثة عقود.
وبما أن روسيا تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم وثاني أكبر مصدر للنفط، فإن تداعيات الحرب ستكون كبيرة على الاقتصاد العالمي، وهو ما يعيد للأذهان تداعيات حرب أكتوبر التي اندلعت بين العرب وإسرائيل في العام 1973، والتي أدت إلى انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك أسواق الطاقة.
نظام عالمي جديد
ومن جانبه، أكد مايكل ستروبيك كبير مسؤولي الاستثمار العالمي في بنك “كريدي سويس”، أن الصدمة التي نتجت عن الغزو الروسي عبارة عن “فجر نظام عالمي جديد” للاقتصاد الدولي، وأن ارتفاع التضخم وتقلبات الأسواق المالية بات أمراً مفروغاً منه.
واضاف مايكل: “الغزو الروسي لأوكرانيا لا يمثل سوى تحول بعيد عن النظام العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة والغرب إلى حد كبير والذي ساد منذ سقوط جدار برلين”.
ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي
وبحسب ما نقلته صحيفة الجارديان، فإن أسعار الغاز الطبيعي ارتفعت في السوق الأوروبي بنسبة 70% بعد غزو أوكرانيا، حيث لامس سعر النفط العالمي 105 دولارات للمرة الأولى منذ عام 2014، مما يغذي احتمالية زيادة أخرى في تكاليف المعيشة.
ومن المتوقع أن تتأثر بعض البلدان بالحرب الروسية الأوكرانية أكثر من غيرها، حيث يمثل الغاز الروسي 40% من إمدادات الطاقة في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من ارتفاع هذه النسبة في بعض الدول مثل جمهورية التشيك ولاتفيا إلى 100%.
واعتمدت ألمانيا خلال العقدين الماضيين بشكل أكبر على مصادر الطاقة الخارجية، حيث ارتفعت إلى 67% وهي من بين أعلى المعدلات في الاتحاد الأوروبي، ويشكل الغاز الروسي القليل من الطاقة في بريطانيا، حيث يمثل ما نسبته 5% فقط من إجمالي الواردات العام الماضي، ومع ذلك فإن الارتفاع في الأسعار العالمية سيظل يلحق الضرر بمستويات المعيشة في بريطانيا في وقت يستعد فيه المستهلكون البريطانيون بالفعل لارتفاع فواتير الغاز والكهرباء المنزلية بنسبة 54% اعتباراً من أبريل المقبل.
صادرات الغاز
ومن المتوقع أن يزداد معدل التضخم في بريطانيا من أعلى مستوى له في 30 عاماً عند 5.5% إلى أعلى مستوى له بأكثر من 7% في أبريل المقبل، بالإضافة إلى احتمالية حدوث انخفاض في تكاليف الطاقة بالجملة فمن المتوقع أن ينخفض التضخم في وقت لاحق من هذا العام.
ويعتقد الاقتصاديون أن صادرات الغاز ستستمر في التدفق، مستشهدين في ذلك بتاريخ التوترات بين الشرق والغرب خلال الحرب الباردة عندما واصل الاتحاد السوفيتي ضخ النفط والغاز إلى أوروبا، ونظراً لأن روسيا تجني 700 مليون دولار يومياً من بيع النفط والسلع الأخرى إلى الغرب، فإن لدى بوتين مصلحة قوية في الحفاظ على التدفق، في حين أن الغرب لديه مصلحة قوية في الشراء لتجنب تفاقم أسوأ صدمة تضخم منذ عقود.
ارتفاع أسعار القمح
كما شهدت أسعار القمح قفزة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2008، مما يهدد برفع أسعار الغذاء، حيث كان الاتحاد السوفيتي أكبر مستورد للقمح في العالم قبل عقود من الزمن، حيث كان يشتري 55 مليون طن سنوياً في منتصف الثمانينيات، ومع ذلك تفوقت روسيا على الولايات المتحدة وكندا لتصبح أكبر مصدر في العالم في منتصف العقد الماضي.
وتشكل روسيا وأوكرانيا أكثر من ربع إمدادات العالم من القمح، حيث يتم تصدير 95% من قمح أوكرانيا عبر موانئ البحر الأسود التي تضغط عليها السفن الحربية الروسية حالياً من أجل السيطرة، وعلى صعيد المواصلات، فان الاضطرابات الجديدة في طرق التجارة ستضيف إلى التكاليف وأوقات التسليم للشركات، وهي عوامل تساهم أيضاً في ارتفاع أسعار المستهلك.
اضطراب الأسواق المالية العالمية
ومن الممكن لان يكون لهذه الحرب تأثير خاص على صناعة الشحن، والتي تعاني بالفعل من عدة إشكالات، بسبب فيروس “كورونا” وانسداد قناة السويس مؤخراً، وبحسب غرفة الشحن الدولية فان حوالي 15% من البحارة في العالم هم من الروس أو الأوكرانيين، ومن المتوقع أن تتأثر سلاسل التوريد والتكاليف إذا تم تقييد حرية الحركة لمثل هذا الجزء الكبير من القوة العاملة.
وتواجه الأسواق المالية العالمية حالة من الاضطراب بسبب الغزو الروسي، مما تسبب في القضاء على المليارات من قيمة مؤشر “فوتسي100” البريطاني، كما يتوقع الاقتصاديون أن يتسبب الصراع في تعقيد قرارات البنوك المركزية العالمية برفع أسعار الفائدة، حيث يرى بعض المحللين أنها قد تتراجع عن الزيادات المخطط لها على الرغم من أن الوضع يزيد الضغوط التضخمية.