حوارات و تقارير

البطل العربي صلاح الدين الأيوبي..أنهى الحكم الشيعي ومذهبه في مصر الذي استمر 200 عام ونشر المذهب السني

الناصر أبو المظفر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني الكردي التكريتي.

مولده

ولد في تكريت وهي بلدة تقع على شاطئ نهر دجلة بشمال العراق عام 532ه الموافق 1138م.

مذهبه الديني

كان صلاح الدين على المذهب السني مثل معظم الأكراد في شمال العراق وقيل أن “الشيخ عبد القادر الجيلاني” دعا له في بغداد أثناء زيارته مع والدة نجم الدين أيوب وهذا ما جعل صلاح الدين يتبع الطريقة الجيلاني فيما بعد وقيل أنه أشعريا صوفيا وكان يأخذ منهم الرأي والمشورة .

صفاته

كان متسامحا وغير متعصب ضد المسيحيين واليهود لكنة كان اشد كراهية للغزو الصليبي الأوروبي دون النظر لدياناتهم فهم إستباحوا أرضى ومقدسات العرب والمسلمين فترة طويلة قاربت قرن من الزمان خاصة في فلسطين ولبنان وغرب سوريا وبعض المناطق بالأردن مثل الكرك.

تعليمه

تلقى صلاح الدين تعليمه في دمشق وقضى طفولته فيها بعد أن إنتقل والدة من ولاية بعلبك في لبنان لمدة سبع سنوات إلى بلاط الملك العادل “نور الدين محمود زنكي” ، وعشق دمشق الفيحاء وبرع في تلقى العلوم والرياضيات والهندسة والحساب والشريعة الإسلامية والفقه .

قدومه لمصر

قدم إلى القاهرة مع عمه ” أسد شريكوه ” مرتين وفي الأخيرة بعد وفاة عمه تولى وزارة مصر في 26 مارس 1169 م موافق 25 جمادي الاخر عام 564 ھ وعمره 32 عاما، وبعد وفاة أخر خليفة فاطمي في مصر عام 567ھ من شهر محرم الموافق 1171 م انهى صلاح الدين علنا نهاية الحكم الفاطمي الشيعي لمصر الذي إستمر200 عاما وعمل على نشر وتثبيت المذهب السني في مصر بمؤازرة ملك الشام ” نورالدين محمود بن زنكي ” وأستمر حكم صلاح الدين لمصر 22 عاما وأعلن نفسه ملكا عليها ونظم شئون الحكم وقوى الجيش وقضى على مؤامرات الشيعة وأمن الثغور من هجمات الصليبين.

نشر المذهب السنى بمصر

حرص صلاح الدين على تثبيت المذهب السني في مصر وإزاحة المذهب الشيعي فقام بإغلاق الجامع الأزهر نهائيا لأن من شيده الفاطميون وكانوا قد جعلوه معقلا لنشر المذهب الشيعي وقتئذ في عصر حكمهم لمدة قرنين كاملين ، ومنع الصلاة في جامع الحاكم بالله الفاطمي وإستمر المنع في عهد صلاح الدين الأيوبي ومن خلفه من ملوك الأيوبيين لمدة قرن كامل حتى أعاد الصلاة في الجامع الأزهر الملك الظاهر بيبرس بعد إنتهاء الحكم الأيوبي وبدء دولة المماليك ، وقد جلب بيبرس بعض الأسرة العباسية من بغداد التي نجت من مذابح المغول وأعطى أحدهم من أحفاد الخلفاء الخلافة الأسمية على المسلمين وليس لهم أي سلطة في الحكم، وعمل على تثبيت المذهب السني مثل سلفه من ملوك الأيوبيين في مصر.
انشاء مدارس لتعليم المذاهب السنية
كما هو جدير بالذكر أن صلاح الدين قد أنشأ عدة مدارس في مصر لتدريس المذاهب الأربعة في المذهب السني وأهل السنة والجماعة أشهرها المدرسة الناصرية عام 1170 ھ لتعليم المذهب الشافعي والمدرسة القمحية لتعليم المذهب المالكي ، والمدرسة السيوفية لتعليم المذهب الحنفي ، والمدرسة الصلاحية بأسمة والتي أنشأها عام 1176 ھ على مساحة ضخمة من الأرض جوار ضريح الإمام الشافعي بالقاهرة قرب قلعته المشهورة قلعة صلاح الدين وقام صلاح الدين بتعيين وزيره بهاء الدين قراقوش صاحب الإدارة الصارمة والحزم والذي عمل على تحديد بناء سور القاهرة الذي تهدم معظمه في عصر الفاطميين.

بداية صراع صلاح الدين و الصليبين

بعد أن أعتلى صلاح الدين حكم مصر أخذ يحسن ويقوي مركزه ويسعى من أجل الإستقلال بها فعمل على كسب محبة المصريين وأسند مناصب قيادية لأنصاره وأقاربه وعزل جميع قضاة الشيعة من بقايا عهد الحكم الفاطمي واستبدلهم بقضاة سنة على المذهب الشافعي، وبعد وفاة “نور الدين زنكي” في الشام في 11 شوال عام 569ھ أصبح صلاح الدين سيد مصر بلا منازع  .

وفي شهر جمادي الآخر عام 573 ھ أغار الصليبيون على ضواحي دمشق، فجمع صلاح الدين الفرسان من مصر وسار إلى فلسطين ليغير على بعض حصون وقلاع الصليبيين هناك وعلى إثر ذلك تحرك ملك بيت المقدس الشاب “بلدوين الربع ابن عموري الأبرص” أثناء وجود صلاح الدين على مشارف القدس وسار بجمع من فرسان الهيكل من مدينة غزة ودخل عسقلان ووصلت هذه الأنباء إلى صلاح الدين فعاد بقسم من جيشه إلى ضواحي المدينة لكنه تردد في مهاجمة الصليبيين على الرغم من التفوق العددي للأيوبيين وذلك لوجود عدد من القادة المهرة المخضرمين في صفوفهم وكان لهذا التردد في الهجوم أثر كبير إذا قام الصليبيون تحت قيادة الملك بلدوين وأرناط آل شاتيون صاحب الكرك بهجوم مفاجئ بتاريخ 25 من نوفمبر عام 1177ھ فهزموا الأيوبيين في تل الجزر بالقرب من الرملة ، وقد حاول صلاح الدين تنظيم الصفوف للجيش وحشد الجنود مجددا لكنهم تشتتوا فقرر الانسحاب إلى مصر وإنقاذ ما تبقى من هؤلاء الجنود ، وبعد عودة صلاح الدين لمصر لم ييأس من هذه الهزيمة بل أنه صمم على تجهيز الجيش والعتاد لمواجهة الصليبيين من جديد وقد كان أكثر إصرارا على القتال ، وفي ربيع عام 1178م نزل الجيش الأيوبي بقرب حمص بسوريا وجرى بضعة مناوشات بينه وبين الجيش الصليبي، وفي شهر أغسطس عام 1178 م هاجمت فرقة صليبية أخرى مدينة حماة والقرى المجاورة لها وقتلت بعض السكان ، لكنها هزمت على يد حامية المدينة وتم أسر الكثير من أفرادها واقتيدوا إلى صلاح الدين الذي أمر بإعدامهم.

بعد أن نجح صلاح الدين في جمع مصر والشام والحجاز وتهامة والعراق وبرقة في دولة واحدة موحدة قوية تحيط بجميع مملكة بيت المقدس والإمارات الصليبية في الشام من الشرق والشمال والجنوب وقد اطمأن إلى وحدة هذه الأقطار وتماسكها انتقل إلى تحقيق القسم الثاني من مخططه السياسي وهو محاربة الصليبيين وطردهم من بلاد العرب المسلمين وجاءته الفرصة حين تعرض “أرناط ال شاتيون” صاحب الكرك لقافلة غزيرة الأموال كثيرة الرجال فقتل غالبيتهم وقيل أن القافلة كانت متجهة للحج وقد عمل أرناط مجزرة أليمة في هذه القافلة العربية الإسلامية، فأرسل له صلاح الدين رسالة يوبخه على فعلته وغدره ويتوعده إن لم يطلق الأسرى والأموال ، فلما رفض أرسل الملك صلاح الدين من دمشق – الذي كان وقتئذ مقيما فيها مؤقتا – إلى جميع الأمصار التابعة له لإرسال واستدعاء العساكر والفرسان لحرب أرناط وتوجه بنفسه إلى بصرى ومنها إلى الأردن ونزل بثغر الأقحوان في هذه الأثناء تمكن المرض من بلدوين ملك بيت المقدس وتوفى عام1185 م ثم تولى بعده المملكة ابن شقيقته وخلال عام أيضا توفى فتولت العرش والدته “سيبيلا ” التي ما لبثت أن توجت زوجها الثاني “غى آل لوزينيان” على مملكة بيت المقدس وهذا الرجل خطط له سابقا أن يكون وصيا على العرش بعد بلدوين الرابع لكن تحالفه مع السفاح أرناط ملك الكرك وخرقهما الهدنة مع الملك صلاح الدين ومهاجمتهما لقوافل المسلمين التجارية وقوافل الحجاج الأمر الذي جعل صلاح الدين يحاصر الكرك بشرق الأردن، وجعلت بلدوين الرابع يعدل عن يستبعده كخلفا له بعد مماته.

صلاح الدين والحملة الصليبية الأوربية

في يوم السبت 25 ربيع الآخر عام 583ھ نزل الصليبيون قرون حطين شمالي فلسطين وكان صلاح الدين قد سبقهم إلى هناك وتمركز جيشه في المنطقة العليا منها حيث نبع المياه ، وكانت تجهيزات الفرنجة الحربية الثقيلة هي سبب تأخرهم في الوصول ولما وصلوا إلى المواقع كانوا هالكين من العطش لدرجة أنهم شربوا الخمر بدلا من الماء فسكر منهم الكثير وهاجموا جيش صلاح الدين فقتل من الفريقين عدد من الجنود ، وكان الصليبيون متحمسون في البداية للحصول على الماء من النبع في حطين فهزموا المسلمين أول النهار، ولكن آخر النهار دارت الدوائر على الجيش الصليبي فانقض المسلمون على الجيش الصليبي ومزقوا صفوفه ، ورأى الملك صلاح الدين ألا يتوجه مباشرة لفتح القدس بعد النصر في موقعة حطين وإنما رأى من الأسلم أن يسير لفتح مدن الساحل ومن ثم الهجوم بعد ذلك على القدس لتحريرها ، فرحل طالبا مدينة عكا وكان نزوله عليها يوم الأربعاء وقاتل الصلبيين بها يوم الخميس في مستهل شهر جمادي الأولى عام583 ھ فأخذها وأنقذ من كان بها من أسرى المسلمين وكان تعدادهم نحو أربعة ألاف.

ظل صلاح الدين في عسقلان حتى نظم إدارتها وسلمها إلى أحد مماليكه واسمه “علم الدين قيصر” وأعطاه ولاية عسقلان والقطاع المحيط بها قرب ساحل فلسطين ، ورحل صلاح الدين بجيشه إلى القدس لفتحها ولم يكن في المدينة المقدسة قوة كبيرة لحمايتها من الهجوم الأيوبي حيث لم يزد عدد جنودها عن 1400 جندي .

وبعد فتح القدس ومعركة حطين بدأت تتحرك الحملة الصليبية الأوروبية الكبرى بقيادة “ريتشارد قلب الأسد ” ملك بريطانيا ومعه جيوش كثيفة من دول أوروبا أهمها فرنسا والمانيا والنمسا واستمرت المعارك الطاحنة بين جيش صلاح الدين وجيوش الصليبيين عدة سنوات استطاع فيها الصليبيون احتلال معظم مدن ساحل فلسطين مثل عكا وحيفا ويافا وعسقلان ومدن ساحل لبنان وفي النهاية عجز الصليبيون رغم كثافة جيوشهم من دخول القدس الشريف وتكبدوا خسائر جسيمة في الأرواح بفضل بسالة قوات صلاح الدين الأيوبي ورباطة جأش وشجاعة وحسن تخطيط وتدبير الملك صلاح الدين وبراعة التكتيك العسكري الذي أذهل قادة الجيوش الصليبية.

نهاية المعارك مع الصليبيين ومعاهدة الرملة

انتهت المعارك والصراع المرير بأن تم عقد معاهدة الرملة بين الجانبين وكان الملك ريتشارد ملك الإنجليز هو الذي وقع على المعاهدة مع صلاح الدين وأرغم جميع الملوك على التوقيع والصلح مقابل بعض المدن الساحلية وتأمين وصول الزوار والحجاج من أوروبا إلى بيت المقدس وتأمين معابد وكنائس القدس

وفاته

بعد صلح الرملة وأثناء تواجده بدمشق أصيب صلاح الدين بالحمى الصفراوية والأرق وظل على ذلك حتى وافته المنية في فجر 4 مارس 1193 م الموافق 27 صفر عام589ھ عن عمر ناهز 55 عام بالشهور الشمسية و 56 عام بالشهور القمرية.

رحم الله هذا البطل الإسلامي الذي ما تزال آثاره في مصر وسوريا باقية للآن وأهمها قلعة صلاح الدين التي ظلت مقرا للملوك من بعده عدة قرون وهذا مجرد موجز ونبذة مختصرة عن هذا البطل المغوار الذي كتب عنه عشرات المؤرخين العرب والأوروبيين خلال القرون الماضية وجعله الله تعالى خالد الذكر عند العرب والمسلمين وغيرهم فوفاته كانت منذ 826 عاما بالشهور الشمسية أو التاريخ الميلادي، و855 سنة بالشهور القمرية أو التاريخ الهجري ، أي قرابة ثمان قرون ونصف قرن فهو بحق رمز عظيم من رموز المسلمين المجاهدين خلال 14 قرن التي مضت بحلوها ومرها على الأمة العربية و الإسلامية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى