حوارات و تقارير

“سيناء” تعددت أسمائها بمختلف العصور والديانات السماوية

 

سيناء أرض السحر والخيال ،أرض القمر الساطع وسط الصحراء ،أرض النخيل والابل والبحر والنور، أرض القمر والجمال الرائع، أرض الله الذى تجلى لموسى فوق الجبل الشاهق ، أرض المحبة والسلام ،والأديان ،والأديرة والمساجد والكنائس .. أرض التاريخ والبطولات ، أرض المقاومة الشعبية الباسلة ،وأرض المعارك العظيمة والانتصارات ، بوابة مصر الشرقية على الحدود ، يحرسها البحر والتاريخ ، ويصلى على شاطئ بحرها النور ، فتصدح النوارس ، ويتعانق البلشون عناق الحب للخالق العظيم .

في بادية سيناء

أحتلت سيناء مكانة متميزة لأسباب دينية وتاريخية، كما تعرضت لحروب مستمرة تجاوزت تأثيراتها الحدود الإقليمية إلى العالمية، وحاول الأستعمار طمس معالم أنتماء سيناء لمصر والعروبة، لكن التراث المتمثل في الموروث الشعبي الشفاهي أستطاع أن يقف في وجه تلك المتغيرات المختلفة.
وسيناء شبه جزيرة تحيط بها المياه من كل جوانبها عدا الجانب الشرقي عند حدودها مع فلسطين، وهي على شكل مثلث قاعدته في الشمال على البحر الأبيض المتوسط بساحل يبلغ طوله 320 كم2 وضلعاه في الجنوب على خليج السويس وخليج العقبة بطول 400 كم2 بساحل يبلغ طوله 250 كم2 أي تمتد سواحلها بطول 870 كم2 وتمتد أرضها 275 كم2 طول خليج السويس و 150 كم2 طول خليج العقبة، وتبلغ مساحة سيناء حوالي 61 ألف كم2 أي حوالي 940 ميل ولشبه الجزيرة أهمية أستراتيجية عظيمة فهي بوابة مصر الشرقية لجميع الطرق الموصلة بين وادي النيل والأردن وفلسطين والحجاز.

أسماء سيناء على مر العصور

ولقد وصفت المؤلفات القديمة أرض سيناء بعدة أسماء، فقد سميت جزيرة ” طور سيناء “، كما عرفت في الآثار المصرية القديمة باسم ” توشويت ” أي أرض الجدب أو الأرض الجرداء، وعرفت في الآثار المصرية الآشوية بأسم ” مجان ” ولعل الكلمة محرفة من الاسم العربي مدين أو أرابيابيترا ،أي البلاد العربية الصخرية عند اليونانيين، كما سميت سيناء بأسم “أرض السين ” وهو إله القمر ومعنى ” سين ” بالعبرية “القمر ” لأن أهالي سيناء كانوا يعبدون القمر في الأزمنة العابرة.
ولقد ذكرت سيناء في القرآن الكريم بأنها الوادي المقدس في قوله تعالى ” فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ” ، وفي قوله تعالى ” والتين والزيتون وطور سينين “. وقد أطلق سكان شبه الجزيرة عليها الكثير من الأسماء منها “أسياد الرمال ” في العصر الفرعوني، وأطلقت عليهم التوراة اسم ” العمالقة ” ،وبعد الفتح الإسلامي أطلق عليهم بنو إسماعيل اسم ” الأعراب “، وفي العصور القريبة أطلق عليهم ” صيادو الصقور” ،و “عشاق النوارس”.

الطبيعة الجبلية

تنتشر بسيناء السلاسل الجبلية والمرتفعات والهضاب والبحيرات، ففي الجنوب تقوم سلاسل الجبال الجرانيتية العظيمة بقممها الشاهقة وتحتل نصف مساحة الجزيرة، وتوجد سلاسل جبال أخرى من الأحجار الجيرية المعروفة بأسم جبال سيناء متجهة نحو وادي العريميين حيث يخرج منها هذا الوادي العظيم متجهًا شمالاً حيث تصب مياهه في البحر الأبيض المتوسط بمدينة العريش.

أما القسم الشرقي من الجزيرة فيحوي الكثير من الجبال الصخرية ذات المناظر الطبيعة الخلابة، ومن أشهر الجبال جبل الراحة ، وجبال خشم الطرف ، وجبال العجمة ، وجبل طور سيناء ، وجبل القديسة كاترين ، و الجبل الأحمر ، وجبل السربال ، وجبل حمام موسى ، وجبل حمام فرعون. أما عن مناخها فهو مناخ شبه صحراوي، تتراوح نسبة الرطوبة فيه بين ( 50 %، 70 % ) كما تتعرض شبه الجزيرة للأعاصير والانخفاضات الجوية في فصل الشتاء وفصل الربيع.

البدو أسياد الصحراء

يوصف البدوي بالرزانة ورجاحة العقل وحسن تدبير الأمور ، كما يوصف بالخفة والرشاقة والذكاء وسمرة اللون، ويتميز بالأنف الأقنى، كما أن النساء جميلات بالفطرة لكنهن قلائل، ويتميز البدوي بدقة النظر وخفة الظل والحصافة، كما يتميز بالكرم وحب الجار والقبيلة، إلا أن سمة العصبية هي الغالبة، والأخذ بالثأر سمة موجودة، والبدوي غيور بطبعه ولا يمكن لرجل أن يتعرض لفتاة أو امرأة وإلا صارت الأمور على غير ما يحمد عقباه.

ويسكن البدو في بيوت تسمى ” بيوت الشعر ” تصنع من جلود الماعز وبعض فروع الأشجار والنخيل وأوراق شجر العادر وبعض الأشجار البرية وأوبار الجمال وأصواف الخراف.

كما يسكنون الخيام لأنهم دائمًا في تنقل مستمر حول الكلأ والمراعي ويصنعون ” العرائش ” لتظلهم وتقيهم حرارة القيظ ويجتمعون في الليل حولها يشعلون النيران من الحطب ويشربون القهوة العربية الجميلة.
ويخرج البدوي أو البدوية – غالبًا – للرعي في الصحراء وتنتشر الأغنام لتأكل من الكلأ، وتجلس البدوية تحت شجرة تعزف على الشبابة أو الناي أو آلة المقرون وتنطلق في غناء عذب يملأ الصحراء الجرداء عبقًا فتزقزق الطيور وتتقافز الماعز كالغزلان البرية الجميلة في صورة طبيعية غاية في الروعة والحسن والجمال. كما يستخدم البدوي أسلحة تقيه من الذئاب والحيوانات المفترسة والضالة، كما قد يستخدمها في الحروب والنزاعات التي قد تنشأ على الكلأ والماء .

الحياة اليومية

يستيقظ البدوي في الصباح الباكر، ويخرج الشبان لرعي الإبل بينما تخرج الشابات لرعي الأغنام، وتستيقظ النسوة قبل طلوع الشمس فيصلين ثم يقمن بإشعال النار في أعواد الحطب الجافة، وتصنع البدوية الخبز – الفطائر الرقيقة – على الصاج وهو عبارة عن آنية مقعرة من الصفيح المقوى فتقوم بوضع العجين عليه بعد أن ترققه بيديها ثم تضعه على الصاج حتى ينضج لتقدمه طازجًا وبعد الإفطار يشربون الشاي ويخرج الرجال إلى أعمالهم في الزراعة وغالبًا ما تساعد المرأة في الزراعة وتربية الدواجن والماعز والخراف، وعندما يأتي الظهر يتناولون طعام الغذاء ويشربون الدخان ويلعبون السيجة وهي لعبة بسيطة لا تحتاج إلا لبعض الأعواد الجافة أو بعض الحصى، ويتسامرون وسط المزارع إلى أن تغيب الشمس فيمتد السمر وتحلو الأحاديث حول النار المشتعلة.

القضاء العرفي والبشعة

أهل بادية سيناء لا يلجأون إلى الحكومة لحل نزاعتهم ، فإذا وقعت واقعة ما فأنهم يلجأون إلى شيخ القبيلة أو القاضي العرفي لحل المشاكل مهما كبرت أو صغرت وأمره نافذ ولا يمكن رفضه وإلا طرد الرافض من القبيلة، ولكل قاض اختصاصات معينة ويحكم في القضية فهناك قاض للقتل وقاض للسرقة وغير ذلك فإذا لم يعترف المتهم بجريمته فإن القاضي يحوله إلى ” المبشع ” للحس البشعة أي بدلاً من أن يحلف، يتم تسخين آنية معينة حتى تحمر من شدة الحرارة ويقال لمرتكب الجريمة: الحس هذه النار بلسانك ، فإن كان بريئًا فإنه يلحسها بلسانه وبإذن الله لا يصيبه شيء أما إن كان مجرمًا حقًا فإن النار تخرسه وتجعله أخرسًا إلى الأبد وأغلب مرتكبي الجرائم يعترفون بفعلتهم قبل لحس النار لأنهم يعلمون النتيجة.

المكانة الدينية

تكتسب سيناء أهتمامًا خاصًا في الديانات المختلفة لما تحويه من آثار دينية وتاريخية تتمثل في ” دير سانت كاترين ” والذي يحوي مكتبة تضم آلاف المخطوطات الأثرية العظيمة باللغات السريانية واليونانية والعربية، علاوة على وجود ” الكنيسة الكبرى ” وهي من أقدم الآثار المسيحية في صحراء سيناء وتعرف بكنيسة ” الاستمالة ” وهي إحدى كنائس العالم الهامة ويرجع بناؤها إلى عهد الإمبراطور جستينيان في القرن السادس الميلادي، كما توجد مكتبة ” الأيقونات ” وهي عبارة عن صور زيتية تعبر عن أهم أحداث العهدين – القديم والحديث – كما توجد شجرة ” العليقة المقدسة ” وتوجد بداخل الدير حيث المكان الذي كلم ” موسى ” عليه السلام ربه في وادي ” طوى ” كما ذكر ذلك في القرآن الكريم .

هذا إلى جانب وجود السياحة التاريخية كالطريق الحربي القديم ” القنطرة – رفح ” ويسمى طريق حورس وطريق ” المحمل ” وقد عني السلطان قنصوه الغوري ( 1501 – 1516 م ) بتمهيد هذا الطريق الذي استخدمته شجرة الدر عام 1248 م في زيارة الأراضي الحجازية.

وعن أهم الآثار الفرعونية نجد ” وادي المغارة ” وعليه نقوش بالهيروغليفية ويستخدم هذا الوادي لتعدين الفيروز وبه تمثال كبير أقامه الملك سمرخت آخر ملوك الأسر الفرعونية الأولى ( 5291 – 5263 م ) تمجيدًا لإله سيناء المقدس.

الآثار والقلاع

يوجد بسيناء معبد ” سرابيت الخادم ” والذي يرجع إلى الأسرة الثانية عشر وما بعدها من الأسر، ويوجد بالمعبد كهف الإله هاتور ( حت – حور ) من عهد الملك سنفرو وكهف الإله صغدور وهو من آثار الملكة حتشبسوت علاوة على وجود الكثير من الآثار الإغريقية والرومانية والبيزنطية وبعض القلاع كقلعة لحفن ، وقلعة المغارة ، وقلعة صلاح الدين الأيوبي ، وقلعة سليمان القانوني 1560 م.

كما توجد بشبه جزيرة سيناء قلعة نخل وهي إحدى القلاع التي شيدت في عصر السلطان قنصوه الغوري ، وقلعة الفرما التي شيدها المتوكل على الله وبعض القلاع الأخرى كقلعة المحمدية ، وقلعة خربة الرطيل ، وقلعة قاطية ، وقلعة البلاج ، وقلعة الطينة ، وقلعة ثارو ، وقلعة جزيرة فرعون.

السياحة الترفيهية

تشتهر سيناء بالسياحة الترفيهية مثل سياحة الغوص في شرم الشيخ ،ومنطقة راس محمد ،و نوبيع وتعبر منطقة رأس محمد من أجمل بقاع الدنيا ، كما تنتشر مراكز الغطس بمنطقة دهب. كما توجد بسيناء المياه الكبريتية في عيون موسى و حمام فرعون وتستخدم هذه المياه الكبريتية في الاستشفاء من الأمراض الروماتيزمية وبعض الأمراض الأخرى، وتصل درجة مياه حمام فرعون حوالي 72 درجة مئوية.

ونجد في سيناء شواطئ البحر الأبيض المتوسط الجميلة والممتدة من مدينة رفح حتى مدينة القنطرة شرق وتنتشر في المساء طيور النورس البيضاء وأسراب طائر السمان المهاجر من أوروبا لتهبط آمنة في أحضان محمية الزرانيق ، وفوق شواطئ بحيرة البردويل ،وشواطئ البحر المتوسط الساحرة .

تاريخ من الحروب

لم تحظ بقعة في العالم بمثل ما حظيت به سيناء، فهي المسرح التاريخي الذي شهد فصولاً متعاقبة من الأحداث التاريخية نظرًا لما تمثله من أهمية أستراتيجية في خريطة العالم ( قديمة ووسيطة وحديثة ) ، فها هي الأسرات الفرعونية تعرف عظمة سيناء فحين تعرضت مصر لغزو الهكسوس ( 1160 – 1580 ق. م ) أستنفرت مصر قواها معلنة على لسان حاكم طيبة ( سيكننرع – كاموس – أحمس ) حربًا شديدة الضراوة تنتهي بطرد أبو فيس قائد جيش الرعاة، كما عبرها تحتمس الثالث بجيشه قاصدًا بلاد الآشيويين لردع المغيرين على حدود مصر الشرقية، كما قاد سيتي الأول ( 1304 – 1195 ق. م ) جيش مصر حيث كان متوجهًا لبلاد الحيثيين ليؤدب الطامعين في أرض الكنانة.

أما في العصر الوسيط فقد أشرق الفتح الإسلامي على مصر عام ( 18 ه – 638 م ) بقيادة عمرو بن العاص حتى سقطت قلعة الفرما أمام المسلمين بعد حصار دام شهرًا، وعبرها الصحابة رضون الله عليهم لفتح شمال أفريقيا عام 467 ه، كما عبرها صلاح الدين الأيوبي لفتح بيت المقدس ، وفي العصر الحديث وقعت سيناء فريسة لأطماع الصهيونية العالمية المتمثلة في الحروب الإسرائيلية ولقيام دولة إسرائيل فكانت حروب ( 1948 ) و( 1956 ) وحروب الأستنزاف ثم حرب 1973 م لتعود سيناء كاملة إلى أرض الكنانة الخالدة في 25 أبريل عام 1982 م.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى