العز بن عبد السلام.. بائع الملوك الذي لا يخشى في الحق لومة لائم
أسماء صبحي
العز بن عبد السلام، قاضي القضاه في مصر أيام حكم السلطان الصالح أيوب. هو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذّب السلمي، مغربي الأصل. ولد في دمشق في سوريا عام 577 هـ، وعاش فيها وبرز في الدعوة والفقه، فهو القاضي الذي لا يخشى في الحق لومة لائم.
مواقف العز بن عبد السلام الجريئة
تقول أميمة بكر، الخبيرة في التراث، إن الإمام العز بن عبد السلام، كان له الكثير من المواقف التي تتسم بالجرأة في الحق والتمسك به. ومن أشهر مواقفه والتي اصطدم فيها مع الملك الصالح أيوب نفسه. أنه لما عاش في مصر اكتشف أن الولايات العامة والإمارة والمناصب الكبرى كلها للمماليك الذين اشتراهم نجم الدين أيوب قبل ذلك. ولذلك فهم في حكم الرقيق والعبيد، ولا يجوز لهم الولاية على الأحرار، فأصدر مباشرة فتواه بعدم جواز ولايتهم لأنهم من العبيد.
وأضافت بكر، أن أول ما لاحظه العزّ بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك. وهم مملوكون لغيرهم، بالبيع والشراء وقبض الأثمان والتزوّج من الحرائر. وهو ما يتعارض في نظره مع الشرع الإسلامي، إذ هم في الأصل عبيد لا يحق لهم ما يحق للأحرار. فامتنع أن يمضي لهم بيعاً أو شراء، فتألّبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذي لم تعجبه بدوره فتوى العزّ. فأمره أن يعْدل عن فتواه، فلم يأتمر بأمره، بل طلب من الملك ألا يتدخل في القضاء إذ هو ليس من السلطان.
بائع الملوك
وتابعت بكر، إنه لما انتشر خبر استقالة الشيخ “العز” ومغادرته “القاهرة”، خرج الناس وراء الشيخ يرجونه في العودة. وفب الوقت نفسه أدرك السلطان خطأه فخرج هو الآخر في طلب الشيخ واسترضائه، وأقنعه بالعودة معه، فوافقه على أن يتم بيع الأمراء.
وأشارت إلى أن المشهد كان مهيبًا جليلاً والشيخ واقف ينادي على أمراء الدولة واحدًا بعد آخر ويغالي في ثمنهم. والسلطان الصالح “أيوب” يدفع الثمن من ماله الخاص إلى الشيخ الشجاع الذي أودع ثمنهم بيت مال المسلمين. وكانت هذه الوقعة الطريفة سببًا في إطلاق لقب “بائع الملوك” عليه.
فرض الضرائب على الأمراء
ولفتت الخبيرة في التراث، إلى أن إقامة الشيخ في “القاهرة” طالت حتى شهد ولاية السلطان “سيف الدين قطز”. وفى عهده أرسل المغول رسلاً إلى “القاهرة” تطلب منها التسليم دون قيد أو شرط. وكان المغول على أبواب “مصر” بعد أن اجتاحوا مشرق العالم الإسلامي. لكن سلطان “مصر” رفض هذا التهديد وأصر على المقاومة والدفاع. وكان الشيخ “العز بن عبد السلام” وراء هذا الموقف، يهيئ الناس للخروج إلى الجهاد.
وأوضحت بكر، أن السلطان احتاج إلى أموال للإنفاق على إعداد المعركة، فحاول فرض ضرائب جديدة على الناس. لكن “العز بن عبد السلام” اعترض على ذلك، وقال له: “قبل أن تفرض ضرائب على الناس عليك أنت والأمراء أن تقدموا ما تملكونه من أموال لبيت مال المسلمين. فإذا لم تكف هذه الأموال في الإعداد للمعركة، فرضت ضرائب على الناس”.
وقالت بكر إن السلطان استجاب لرأى “العز بن عبد السلام”، وقام بتنفيذه على الفور. وخرج المسلمون للقاء المغول في معركة “عين جالوت” وكان النصر حليفهم. ووصف الشيخ أيضًا بالزهد والورع الشديدين، كما وصف بالبذل والسخاء والكرم والعطاء، والعطف على المحتاجين. مما يجعل من شخصيته نموذجًا رائعًا يقتدى به في كل ميادين الحياة المختلفة.



