دعاء رحيل

يربى البدوي منذ طفولته الأولى؛ على الفروسية والقتال» وعلى الصلابة والصمود تجاه سائر ضروب المشقات والآلام والأخطار. وإن حياته لقاسية حقا فهي تتكون من صراع متواصل من أجل الوجودء في مواجهة الطبيعة والبشر.

يعتبر الثأر أحد أكثر قوانين الصحراء قدسية. وهو يمارس اليوم بالطريقة ذاتها التي كان عليها في الجاهلية . فمقابل القتيل من قبيلة ما يجب أن يقتل شخص من القبيلة التي قتلته. من الجائز أيضاً تقديم تعويض مالي يدفع غالباً في شكل جمال أو خراف» وإن كان يقابل بنفور شديد. لا يلزم الثأر أسرة القتيل» بل يلزم القبيلة بأسرها في ظروف معينة؛ -خاصة عندما يتعلق الأمر بشيخ. ثمة حالات مختلفة قاد الثأر فيها إلى حروب ضارية» أنزلت خسائر فادحة بقبائل بأسرها بل وأدت إلى إبادتها. بوجه عام يعتير الثأر في الصحراء عاملاً يحافظ على حياة البشر؛ ذلك أن البدوي يخاف العواقب الوخيمة التي تترتب على القتل؛ ويتجنب سفك الدماء قدر استطاعته .

صفات البدوي

مهما يكن من أمر يحمل البدوي صفات حقيقية هي الإنسانية» والفروسية» والشهامة. وهناك منذ أقدم الأزمنة حكايات وأساطير لا عد لها حول خصائصه هذه. من ذلك مثلاً أن البدوي» الذي يشارك في الغارات على القوافل» يكتفي بالغنيمة التي استولى عليها إذا كان المسافرون لم يحصلوا قبل سفرهم على حماية قبيلته عندما يلقي العدو سلاحه ويسلم الحيوان الذي يمتطيه. صحيح أن البدوي قد يأخذ حتى قمصان من في القافلة» إلا أنه لن يقتلهم بالتأكيد» وسيعطيهم الزاد والماء ويرشدهم إلى طريق أقرب قرية. وقد قابلت شخصياً مرات متعددة مسافرين تعرضوا للنهب في الصحراء. إلى هذاء لا يقدم البدوي أبداً على اختطاف البشرء من أجل ابتزازهم والحصول على فدية مالية» على غرار ما يحدث في أميركا أو ألصين .

عندما تحدث غزوة على مضرب خيام معاد ويتم نهبه» يفر من يصاب منهم بجراح» كما يقضي عرف حربي قديم» إذا كانوا عاجزين عن المقاومة» لعلمهم أن المنتصرين لن يلحقوا تحت أي ظرف الأذى بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم. في هذه الحالة أيضاًء يترك المهاجمون المنتصرون ما يكفي من الطعام وحيوانات الركوب للنساء؛ ليتمكنٌ من النجاة بأنفسهن.

كرم الضيافة

يعتبر كرم الضيافة إحدى أجمل صفات البدو» وكذلك عادة تقديم الحماية حتى للعدوء بمجرد أن يدخل خيامهم . ثمة حكايات يتم تناقلها منذ أقدم الأزمنة وحتى اليوم في امتداح هذه الفضائل. ينبع كرم الضيافة من ضرورات الصحراء لذلك لا يمارس في أي مكان من العالم بقدر من الاستقامة والمودة كالذي نجده فيها.

يعد كرم البدو مضرب الأمثال أيضاً. إنه بشكل خاص من واجبات الشيخ» الذي لا يحتاج كي يمارسه إلى غنائم . أما الهدايا التي يتلقاها فإنه يحرص في معظم الأحيان على تقاسمها مع المحيطين به من قومه.

جماعة قضائية

ينظم البدو شؤونهم وفى قوانين الصحراء غير المكتوبة» فالقضاء يمارسه الشيخ أو قاض خاص لكن أحكامهما غير ملزمة. وإن كان اؤلئك الذين لا يرضخون لها لا يستطيعون البقاء بعدها في القبيلة» بل يجب عليهم البحث مع عائلاتهم عن ملجأ لدى قبيلة أخرى لأن القبيلة ليست فقط جماعة سياسية» بل هي أيضاً جماعة قضائية .

الرأي العام » أو الخوف من لوم وسخرية الآخرين هو القوة الوحيدة الملزمة» والسلطة الوحيدة التي ينحني البدوي الأصيل أمامها. ويدعم الرأي العام الأعراف الأخلاقية غير المكتوبة للصحراء؛ التي يجب على كل بدوي احترامها والتقيد بها. وهذه لها متطلبات مثاليه يأتي في مقدمتها التضامن مع أبناء القبيلة» والأخذ بالثأر وغير هذا مما يعتبر من فضائل البدو. فإن أتى البدوي أمراً يخالف أعراف الصحراءء فقد اعتباره في القبيلة وبين البدو بوجه عام .

توارث المشيخة

شيخ القبيلة هو قائدها. أما المشيخة فترتبط بأسرته» وتورث عادة من الأب إلى الإبن. وإن كانت تنشأ غالباً عقب وفاة رأس القبيلة مآسي دامية بين أهل بيته.

يساعدٌ الشيخ قبل كل شيء. نبلاءُ الدم من أسرته والتابعون له من الشيوخ . ليس الشيخ بين هؤلاء» وحيال بقية البدو أيضاًء سوئ واحد من أفراد القبيلة. أما سلطته فهي بطريركية» يظهرها عبر وسائل أخلاقية بالدرجة الأولى . ومن صلاحياته تمثيل القبيلة واستقبال الآغراب» وتعد الخْوّة حقاً لهاء يؤديه أنصاف الرحل الذين يعيشون على أطراف الصحراء والفلاحون والتجا كما تؤديه القوافل لتضمن عدم تعرضها للاعتداءات. للشيخ أيضاً حق الحصول على حصة رئيسة من غنائم حملات الغزو والحرب. وعليه العمل لضمان خير القبيلة» فهو الذي يقرر تغيير أماكن الرعى»: وشؤون السلم والحرب؛ والتحالفات مع القبائل الأخرى»

________________________________________

المراجع:

أوينهايم_البدو_الجزء الأول