مباني تاريخية.. قصة “بورصة الإسكندرية” أقدم المؤسسات المالية في العالم
أميرة جادو
تعتبر مصر من أقدم الدول التي أنشأت البورصة في الشرق الأوسط، وكانت البداية حين أسست بورصة الإسكندرية في عام 1883، حيث تعود جذورها إلى القرن التاسع عشر، تلتها بورصة القاهرة عام 1903، وفي الأربعينيات من القرن العشرين أصبح لكل منهم كيان مسقل عن الأخر، حيث احتلت بورصة الإسكندرية المرتبة الخامسة على مستوى العالم.
أول صفقة قطن محلية
في القرن التاسع عشر ، كان سوق الإسكندرية الآجل من أقدم أسواق العقود الآجلة في العالم، وتم تسجيل أول صفقة قطن محلية في عام 1885 في مقهى الإسكندرية أوروبا في ميدان “ديس كونسويس”، الذي سمي فيما بعد بميدان محمد علي، حيث يلتقي تجار القطن عادة ويعقدون الصفقات على أساس العرض والطلب بشأن القطن طويل التيلة “كرنك ومنوف” أو القطن قصير التيلة “أشموني، والجيزة وزاجورا ” ، وعلى مر السنين تم توسيع هذه الصفقات لتشمل أنواعًا مختلفة من بذور القطن مثل: “هل، عفيفي، سكلاريدز” .
كان المنفذون الأوائل لصفقات القطن الأولى ينتظرون وصول الصحيفة من أوروبا لإرشادهم في عملياتهم المستقبلية، وقد أثرت السمعة الطيبة في كل خطوة، فقد فاز مزارعو القطن الذين يقومون بتسليمه في الوقت المحدد بثقة المصدرين ثم تلقوا طلبيات كبيرة في الموسم التالي، وكان احترام التوقيت والثقة أمرًا أساسيًا إذا أراد التاجر جني الأرباح.
من مقهى الإسكندرية الأوروبي، تم الانتهاء من صفقات القطن إلى المبنى المجاور، وعندما بدأ العمل في الزيادة، تم إنشاء هيئة قطن الإسكندرية (التي سميت فيما بعد بالمديرية العامة للإسكندرية للغلة AGPA) لتجارة القطن بذور القطن في الأسواق الفورية والآجلة.
الخديوي ينقلها إلى مبنى جديد
في عام 1899، في عهد الخديوي عباس الثاني، انتقلت AGPA إلى مبنى جديد، ثم سميت بالبورصة في ميدان محمد علي.
أصبحت بورصة الإسكندرية السمة المميزة للمدينة، حيث طبعت على البطاقات البريدية والكتب وأدلة للمدينة، وبطرق عديدة أصبحت البورصة مركز المجتمع المالي في المدينة.
تم تقنين العقود الآجلة للقطن في عام 1909، بالتزامن مع تعافي مصر من الهبوط الاقتصادي الكبير الناجم عن الانهيار المالي عام 1907، عندما ضربت المؤسسات المصرفية والعقارية الأسواق نتيجة للمضاربة، وحتى ذلك الحين كان هناك القليل من التدخل الحكومي، ومن ناحية أخرى ظل السوق الفوري تم ميناء الباسال معزولًا حتى عام 1931.
سماسرة ومديرو البورصة
من بين 35 سمسار قطن مسجلين في عام 1950، كان هناك اثنان فقط من المصريين، حيث كان مديرو بورصة الإسكندرية يتألفون من مزيج غير متكافئ من المصريين والشاميين واليهود، وكان رئيسها سوري يدعى جول كلات بك، وعلى الرغم من ما يميز التركيبة العرقية لـ AGPA ، إلا أن الهيئة قطعت شوطًا طويلاً منذ أن سيطر البريطانيون عليها لفترة طويلة من خلال أكبر مصدرين للقطن في الإسكندرية، وهما عائلة كارفرو وعائلة موس.
اشتد قبضة المصدرين في سوق التصدير المربح بعد أن تزوج ابن عائلة كارفر، من عائلة موس، وبالمثل كانت المحليات مملوكة في الغالب للأجانب، وفي القرن الماضي كان هؤلاء الأجانب يشملون سيليج كول (مانشستر)، بلانتاس (ليفربول) ولندمانز (براغ)، علاوة على درسدن وعائلة كورامي بناكي سافاكوس، وممثلي الدوري اليوناني.
ظلت أغلب التجارة تتم بداخل بورصة ليفربول للقطن، حتى الخمسينيات من القرن الـ20 ، مما يشير إلى عمق وقوة الروابط بين مصر والإمبراطورية البريطانية، كما تم استخدام تجارة القطن المصري سياسيًا خلال فترات الحرب – على عكس حال النفط الآن- حيث أصبح شرطًا، فمعظم اتفاقيات مصر الدولية، كانت هذه التجارة هي الأداة الرئيسية للمساومة، فضلاً عن كونها أداة لتقوية العملة المصرية، اعتمدت تجارة مانشستر القوية بشكل كبير على هذا المصدر الأساسي، والذي كان مسؤولاً عن خلق ثروات لا حصر لها في المملكة المتحدة.
كانت هناك أيضًا اللجنة المصرية المشتركة للقطن ومعهد القطن، وهما مؤسستان مرتبطتان بالمؤتمر الدولي للقطن، ومع مرور الوقت زاد عدد المصدرين المشاركين في هذه التجارة، ومن بين التجار الجدد طلعت حرب باشا، مؤسس مجموعة شركات بنك مصر، ومحمد فرجالي باشا، ومن بين الوافدين الجدد أحمد عبد الوهاب باشا، وزير المالية الأسبق، وفؤاد أباظة باشا، مدير الجمعية الملكية الزراعية.
وبينما كانت الطبقة الأصلية من المثقفين على وشك السيطرة، ظهرت التجارة الزراعية تحت حماية الدولة من خلال سلسلة من قوانين الإصلاح الزراعي، وبالتالي تحول القطاع الزراعي إلى مزارع صغيرة غير مربحة وجمعيات تعاونية بيروقراطية.