أبو قرة (ثاودورس): عالم وداعية مسيحي عربي
من بين الشخصيات المسيحية البارزة في العصر العباسي، يبرز اسم أبو قرة (ثاودورس)، الذي كان أسقفاً وراهباً ولاهوتياً ومترجماً ومناظراً. ولد في مدينة الرها في سوريا، التي كانت مركزاً للثقافة السريانية، وتلقى تعليمه الأولي فيها. ثم انتقل إلى دير مار سابا في فلسطين، حيث تلمذ على يد يوحنا الدمشقي، أحد أشهر علماء الكنيسة الأرثوذكسية. انتخب أسقفاً على حران في العراق، ولكنه لم يبق في منصبه طويلاً، بل عاد إلى ديره، ومنه خرج في رحلات دعوية ومناظرات مع مختلف الفرق والمذاهب.
من هو أبو قرة
أبو قرة (ثاودورس) كان يتقن ثلاث لغات: السريانية واليونانية والعربية، وكتب فيها جميعاً عن مواضيع مختلفة، مثل الثالوث والتجسد والفداء والقيامة والإيقونات والقداسة والصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد والنبوة والكتب المقدسة والفلسفة والمنطق. وقد اعتمد في كتاباته على الكتاب المقدس كمصدر أساسي، واستشهد بالآيات والأحاديث النبوية والروايات التاريخية والشواهد العقلية والطبيعية. كما أظهر تأثره بالفلسفة اليونانية، خاصة أرسطو، الذي ترجم بعض كتبه إلى العربية، واستخدم مصطلحاته ومفاهيمه في بعض مقالاته. وقد حاول أن يوفق بين العقل والوحي، وأن يبرهن على صحة العقيدة المسيحية بالحجج العقلية والنقلية.
أبو قرة كان داعية متجولاً، يسافر في البلاد يعظ ويعلم ويدافع عن الدين المسيحي. وقد خاض مناظرات مع النساطرة واليعاقبة، الذين كانوا ينكرون طبيعة المسيح الإلهية. ومع المسلمين، الذين كانوا ينكرون ثالوثيته وتجسده وفدائه.كما ألقى خطباً وكتب رسائل ومقالات للرد على شبهاتهم والإثبات لهم بالدلائل والبراهين. وقد كان أسلوبه في المناظرات حازماً وجريئاً ومحترماً في نفس الوقت. كما أظهر علماً واسعاً بالمصادر الدينية والثقافية للطرفين. وقد اشتهر بمناظرته الشهيرة مع أمير أرمينية آشور مساكر، الذي دعاه إلى بلاطه ليحاوره عن الإيمان المسيحي.
أبو قرة هو أحد أوائل الكتاب المسيحيين العرب، الذين أسهموا في نشر الثقافة المسيحية باللغة العربية، وفي الحوار مع الأديان الأخرى، وفي ترجمة الفلسفة اليونانية إلى العربية. وقد اهتم المستشرقون والباحثون بآثاره ونشروها ودرسوها. وقد ترك أبو قرة إرثاً ثرياً في اللاهوت والفكر والأدب، يستحق الاعتزاز والاحترام.