تاريخ ومزارات

دور الشرطة في القاهرة العثمانية 

دور الشرطة في القاهرة العثمانية

كانت شئون البلديات في القاهرة العثمانية تعمل بشمل تلقائى في غيبة الإدارات المتخصصة. ولم يكن تدخل الباشا وأغوات الإنكشارية في شئون النظام العام أمراً طبيعياً معتاداً، بل كان يحدث عادة فقط وقت الأزمات، كحدوث فتنة داخل الجيش أو تنازع بين القوى أو عند حوادث العصيان الشعبية. وكانت شئون البوليس العادية تدخل في اختصاص الأغا وكان يقوم بها نيابة عن الوالي ورجاله.

وكان والي الشرطة يقود جنود الإنكشارية المتمركزين بالقاهرة للمحافظة على النظام، وكان يصحبه عدد منهم في جولاته. أما الباقون فكانوا موزعين على نقط صغيرة تنتشر في كل أنحاء المدينة.

وكانت هذه النقط تحمل اسم “قلق” ويقودها صف ضابط برتبة بلوكباشي. وكان جندي الإنكشارية الذي يخدم بها- وكان ذلك يتم بالدور فيما بينهم – يسمى نوباتجي. وكانت هذه النقط مكلفة على وجه الخصوص بضان وتأكيد الأمن في أحياء المدينة.

وكان مركز بوليس القاهرة يوجد في قلب المدينة بجوار باب زويلة مباشرة. وهناك كان مقر سكنى الوالي بالقرب من سوق القوافين وهو سوق كبير مغطى، بناه رضوان بك لتجار الأحذية أمام باب زويلة. ويذكر كتاب وصف مصر أن في هذه المنطقة كان يوجد بيت الوالي وبوابة الوالي حيث كان يقوم بحراسته الجنود في شارع صغير يؤدي إلى قصبة رضوان على المشال عند المجيء من باب زويلة. وربما كان وجود الوالي قريباً من هناك هو الذي يفسر لنا كيف أن باب زويلة ظل المكان الذي كانت تنفذ فيه أحكام الإعدام حيث كانت تعلق رؤوس المشنوقين حسب تقليد – والحق يقال – بالغ القدم.

وهناك علقت رأس آخر سلاطين المماليك طومان باي بعد مدة قصيرة من هزيمة مصر على يد العثمانيين، وفق السور الحديدي لسبيل فرج بن برقوق. وفي عهد العثمانيين قضى كثير من المحكوم عليه بالإعدام هناك آخر لحظات عمرهم سواء كانوا من كبار الشخصيات أمثال أحمد باشا ” الخائن” بعد فشل تمرده ضد السلطان عام 1524، وإبراهيم باشا الذي ذهب ضحية تمرد العسكر عام 1604 وعلقت رأس كل منهما على باب زويلة- أو سواء كانوا مجرد أمراء أو عسكر لاقوا حتفهم نتيجة انقسامات ونزاعات داخلية أو مجرد أناس أدينوا من قبل “القانون العام” كتلك السيدة التي قبض عليها عام 1802 لأنها سرقت ملابس من أحد الحمامات، وقد شنقت هي الأخرى عند باب زويلة، وبلا شك فإن وجود الوالي في هذه المنطقة- والذي خلف أثره على طبوغرافية الحي عن طريق حمام يسمى حمام الوالي على سبيل المثال- يفسر لنا تلك التسمية : “باب المتولي” التي أطلقت على باب زويلة، إذ كان يطلق على قائد الشرطة أحياناً اسم متولي الشرطة وهي التسمية التي تعثر على مثلها في دمشق. ويبدو أن الفكرة التي تقول أن اصل هذه التسمية يعود إلى سبب ديني هو تقديس أحد الأولياء _والي أو متولي القطب) كان يقيم هناك. يبدو أن هذه الفكرة لم تظهر إلا في القرن التاسع عشر كما أن (الكركول) الذي أشار على وجوده علي باشا مبارك بجواز باب زويلة هو بلا شك إحدى البصمات التي تركتها إقامة الوالي على هذا الحي.

وعلى العموم، فإذا نحن نحينا جانباً فترات الاضطرابات السياسية التي أصبحت أكثر تكراراً في القرن الثامن عشر، فإنه يمكن القول أن النظام كان يبدو مستتباً بطريقة مرضية لمدة تقرب من الثلاثة قرون من السيطرة العثمانية، ومهما كانت أخطاء هذه الشرطة التي تتهم أحياناً بالرشوة والقسوة، فإنها كانت فعالة لحد كاف، كما أن الاحتياطات المضاعفة التي اتبعت لمنع نشاط اللصوص- وخاصة أثناء الليل- (كإغلاق الحارات، وجولات الوالي) قد هيأت لسكان القاهرة أمناً نسبياً. ولا يذكر مؤرخو هذه الفترة، وهم الذين يميلون على سرد الحكايات الطريفة من هذا النوع- إلا بعض حوادث (المناسر) الذين عاشوا في مختلف الأحياء دون رادع يذكر، وعندما أمسكهم الناس تركهم الوالي يهربون مقابل رشوة. لقد كان الأمر بشعاً لحد شاذ فقد نهب 48 دكاناً في طولون مما تسبب في خسائر كبيرة، وعندئذ ذهب التجار المغاربة يشكون للباشا مهددين برفع شكاواهم إلى السلطان إذا لم يعزل الوالي، فعين الباشا والياً جديداً قام بتعقب اللصوص وألقى القبض على عدد منهم وعاد الأمن إلى القاهرة، ولكن ابن أبي السرور الذي أفرد لهذا الحادث صفحات عدة يحدثنا بعد ذلك عن الأمن التام الذي كان يسود القاهرة أثناء الليل ” كثرة الأمن بها بالليل” كإحدى مميزاتها، فقد كانت شدة الولاة وقسوتهم تجعل بقاء اللصوص مستحيلاً، وكان بإمكان الناس أن يذهبوا أثناء الليل إلى أعمالهم في الأسواق والشوارع

————————

1 : أندريه ريمون، فصول من التاريخ الاجتماعي للقاهرة العثمانية، ترجمة زهير الشايب، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1975، ص 38- 43.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى