فتح مكة.. انتصار الرحمة والقوة في لحظة فارقة

كان فتح مكة لحظة مفصلية في تاريخ الإسلام، كشف فيها رسول الله عن حكمة القيادة وعظمة التسامح، تعود جذور هذا الفتح إلى صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة، حين أتيح للقبائل أن تختار ولاءها، فانضمت خزاعة إلى عهد الرسول، بينما التحقت بنو بكر بقريش.
تاريخ فتح مكة
لم تكن العداوة بين خزاعة وبني بكر جديدة، وحين سنحت الفرصة، هاجمت بنو بكر خزاعة ليلًا بدعم سري من قريش بالسلاح والرجال، في خرق صريح لبنود الصلح، استنجدت خزاعة بالرسول، فاستجاب بحزم، وأمر المسلمين بالاستعداد للزحف نحو مكة في سرية تامة.
حين أدركت قريش خطأها، أرسلت أبا سفيان إلى المدينة سعيًا لتجديد الصلح، لكنه وجد أن القرار قد اتخذ، فتحرك جيش المسلمين في العاشر من رمضان سنة 8 هـ، قوامه عشرة آلاف مقاتل، انضمت إليهم ألفان من القبائل المسلمة، ليبلغ العدد اثني عشر ألفًا.
التقى الرسول في طريقه عمه العباس في الجحفة، وكان مهاجرًا إلى المدينة، فانضم إليه متجهًا إلى مكة، وعند مر الظهران، توجه العباس إلى قريش لتحذيرهم، فالتقى أبا سفيان الذي كان يستطلع الأخبار، ونصحه بطلب الأمان، وحين مثل بين يدي الرسول، دعاه النبي إلى الإسلام قائلًا ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله، فأسلم أبو سفيان، ومنحه الرسول الأمان لكل من لجأ إلى بيته أو أغلق بابه أو احتمى بالمسجد الحرام.
كما تحرك الجيش نحو مكة، فسبقهم أبو سفيان لإبلاغ قريش بحجم القوة القادمة، ودعاهم إلى تجنب المواجهة، دخل المسلمون مكة مقسمين إلى ثلاث فرق، خالد بن الوليد من أسفلها، الزبير بن العوام من أعلاها، وأبو عبيدة بن الجراح عبر بطن الوادي، وأمرهم الرسول بعدم القتال إلا لمن بادر بالقتال، وبالفعل دخل المسلمون مكة دون مقاومة تذكر، باستثناء اشتباك محدود مع مجموعة بقيادة عكرمة بن أبي جهل انتهى سريعًا بهروبهم.
ودخل الرسول المسجد الحرام وطاف بالكعبة، محطمًا الأصنام وهو يردد جاء الحق وزهق الباطل، ثم أمر بفتح الكعبة وإزالة الصور التي فيها، وأعاد مفتاحها إلى عثمان بن طلحة ليبقى في عائلته، ثم خاطب قريش قائلًا ما ترون أني فاعل بكم، فردوا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء، ليضرب أروع مثال في التسامح والعفو.
كما أمر الرسول بإهدار دم تسعة أشخاص بسبب عدائهم الشديد للإسلام، لكن بعضهم نجا، كعبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي شفع له عثمان بن عفان فأمنه، وعكرمة بن أبي جهل الذي فر إلى اليمن ثم عاد مسلمًا بعد أن أمنت زوجته له العفو من الرسول.
وفي اليوم التالي، خطب الرسول في أهل مكة، موضحًا تعاليم الدين وحرمة مكة، ثم بايع أهلها وأقام بينهم تسعة عشر يومًا، واضعًا أسس عهد جديد عنوانه العدل والرحمة.