المزيد

ياروسلاف الحكيم: جذور الصراع التاريخي بين روسيا وأوكرانيا

يعتبر ياروسلاف الحكيم، الذي حكم كأمير أكبر لكييف من عام 1016 حتى وفاته عام 1054، شخصية محورية في تاريخ المنطقة التي تشكلت فيها لاحقًا دولتا روسيا وأوكرانيا. كما ولد ياروسلاف عام 978 بالقرب من كييف، وهو ابن الأمير فلاديمير الأول، أمير كييف، والأميرة روجيندا من بولوتسك (في بيلاروسيا الحالية). عرف ياروسلاف بذكائه السياسي وقدرته على التوحيد، حيث أسس دولة “كييف روس”، وهي اتحاد سياسي امتد بين بحر البلطيق والبحر الأسود في القرن الحادي عشر، وضم مدنًا رئيسية مثل كييف ونوفغورود.

من هو ياروسلاف الحكيم

بدأ ياروسلاف حياته السياسية كأمير لنوفغورود عام 1010، لكنه تحدى سلطة والده فلاديمير برفضه دفع الإتاوة، مما كاد يشعل حربًا بينهما لولا وفاة فلاديمير. لاحقًا، خاض ياروسلاف صراعًا داميًا مع أخيه سفياتوبولك، المعروف بـ”اللعين”، الذي خلف والدهما في حكم كييف. في عام 1019، نجح ياروسلاف في هزيمة أخيه، وتولى حكم كييف، ليبدأ بعد ذلك في توحيد الإمارات المتناثرة تحت راية “كييف روس”. هذا الإنجاز منحَه لقب “الحكيم”، وأسس إرثًا تاريخيًا لا تزال آثاره ممتدة حتى اليوم.

الصراع على الإرث التاريخي

كما يشكل إرث ياروسلاف الحكيم ودولته “كييف روس” أساس الخلاف التاريخي بين روسيا وأوكرانيا. كلتا الدولتين ترى نفسها الوريث الشرعي لهذا الاتحاد القديم، وتسعى لتأكيد هويتها السياسية والثقافية من خلاله. أوكرانيا، على سبيل المثال، تكرم ياروسلاف بمنح وسام يحمل اسمه لمن يقدمون خدمات جليلة للدولة، بينما أطلقت روسيا اسمه على فرقاطة بحرية تابعة لها. كما تظهر صورته على العملات الورقية في كلا البلدين، مما يعكس التنافس العميق على تبني إرثه.

في السياق الحديث، يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن “كييف روس” دليل على أن روسيا وأوكرانيا تشكلان “فضاءً تاريخيًا وروحيًا واحدًا”، وهو ما يبرر به بعض سياساته تجاه أوكرانيا. في المقابل، تؤكد أوكرانيا على استقلالها التاريخي وترفض النظرة الروسية التي تجعل من كييف مجرد جزء من روسيا الكبرى. حتى رفات ياروسلاف، التي اختفت في ظروف غامضة خلال القرن العشرين، أصبحت رمزًا لهذا النزاع، حيث حاولت كل من موسكو وكييف على مدار سنوات إثبات أحقيتها فيه.

ياروسلاف الحكيم ليس مجرد شخصية تاريخية، بل رمز لصراع هوية يمتد عبر قرون. من خلال توحيده لـ”كييف روس”، زرع بذور نزاع لم يزل يلقي بظلاله على العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، حيث تتشابك السياسة والتاريخ والذاكرة الجماعية في معركة لا تبدو أنها ستنتهي قريبًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى