حوارات و تقارير

مصر وقطر.. مصالحة تحت الحزام.. القاهرة ضبطت النفس حتى طفح الكيل.. ولم تعارض محاولات لمّ الشمل

دعاء رحيل

«لو شئنا لرددنا لهم الصاع صاعين، ولكننا نترفع عن الصغائر، ولا أثق بهم أبدا، إنهم يعملون لمصلحتهم وليس مهماً لديهم الآخرون”.. بتلك العبارة وصف الرئيس الراحل حسني مبارك النظام القطري وتقييمه كرئيس لمصر طيلة عهده تجاه الدوحة، بعدما تبنت الأخيرة حملة ممنهجة ضد الدولة المصرية وسخّرت قناة الجزيرة لهذا الهدف وذلك قبل أحداث يناير بأشهر قليلة.

 

وتدخلت أطراف إقليمية في أواخر عام 2010 لتلطيف الأجواء والعلاقات الباردة بين البلدين وبالفعل استجاب مبارك حينها وقام في نهاية نوفمبر من نفس العام بزيارة وصفت بالتاريخية إلى العاصمة «الدوحة»، وشمل جدول الزيارة تفقد مبارك لمبنى قناة الجزيرة التي ناصبته العداء منذ تدشينها وكأنها خرجت خصيصا لاستهداف الدول الكبيرة بالإقليم وكان العراق وقتها ضمن قائمة الأهداف.

 

باستعراض صفحات الماضي وطبيعة وتاريخ العلاقات بين مصر وقطر، لا يعني أننا نتخذ موقفا سلبيا مسبقا تجاه ما أعلن مؤخرا في مدينة العُلا السعودية حول توقيع اتفاق مصالحة بمشاركة دول الخليج العربي المقاطعة “السعودية والإمارات والبحرين” إلى جانب مصر، لطيّ صفحة أزمة المقاطعة التي تفجرت في 5 يونيو 2017، خصوصا أن المنطقة العربية لديها من الهموم ما يكفيها على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، وتكاتفها فرض عين على الجميع لمواجهة تحديات داخلية متمثلة في الإرهاب، وخارجية متمثلة في مشاريع خارجية تستهدف الإقليم.

 

وعلى مدار السنوات الماضية تجاوزت القاهرة عن كثير من الصغائر القطرية والسمّ الذي كانت تدسّه قناة الجزيرة ليل نهار في الأمة المصرية، وفضلت استمرار العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية عن القطيعة، ولم تلجأ لها إلا بعد أن طفح الكيل من سلوك الدوحة وتجرعت عواصم الخليج مرارة التدخلات القطرية في شئونها الداخلية، وعندما رأت بعض هذه العواصم المقاطِعة أو كلها منح الفرصة للنظام القطري على أمل توفر حسن النوايا بعد أزمة دبلوماسية طاحنة مع الجارة العربية، وضعت القاهرة أيضا مصلحة الأمة العربية فوق مصلحتها الخاصة، وأوفدت وزير خارجيتها سامح شكري، للمشاركة بالقمة الخليجية والتوقيع إلى جانب باقي دول المقاطعة على اتفاق مصالحة لم يعلن عنه شيء ولم تتكشف بنوده حتى الآن، الواضح منه فقط أن “بيان العلا” ركز على مبدأ عدم التدخل في شئون الآخرين وعدم الإضرار بهم والتعاون لمحاربة التطرف والإرهاب، مع حسن النوايا في تنفيذ هذه المبادئ.

 

فهل عادت المياه بين القاهرة والدوحة إلى مجاريها، وهل زيارة وزير المالية القطري للقاهرة لافتتاح أحد الفنادق المملوكة لشركة الديار القطرية على كورنيش النيل دليل على وصل حبل الود الدبلوماسي؟ جميعها أسئلة يجيب عنها المستقبل حال توفرت النوايا لذلك، ولا أحد يستطيع حسم الإجابة عنها خصوصا مع غياب تفاصيل كواليس اتصالات اللحظات الأخيرة وما قبلها والتي لا تعلن عادة كونها من أعمال السيادة للدول فى مثل هذه الأزمات.

 

لكن من المؤكد أن التقارب بين مصر وقطر يشوبه الحذر لحين اتضاح الصورة كاملة، فمن المرجح عودة العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة كجارة عربية وإنهاء الحظر الجوي وتبادل السفراء، لكن من المؤكد أيضا أن عودة العلاقات سياسيا كتبادل زيارات الزعماء والتنسيق في القضايا الإقليمية أمر صعب وربما مستحيل، فتعقيدات الماضي تقف حائط صد أمام هذا التقارب على مستوى رأس هرم السلطة في كلا البلدين.

 

فالنظام المصري له أيديولوجياته الخاصة الرافضة للإسلام السياسي والإرهاب بشكل عام، ويكافح لمحاربة المشاريع الأخري لدول إقليمية تهدف للسيطرة على مقدرات الأمة العربية، تركيا وإيران.

 

في المقابل النظام القطري منخرط في دعم جماعة الإخوان بطريقة تُعقد إمكانية انفصاله كليا عن هذا المشروع، علاوة على انغماسه في تحالفات مع أنقرة وطهران وصلت لحد الاستعانة بهذه الأنظمة عسكريا وفتح أراضيها لتشييد القواعد، ولا يستطيع عاقل تصور إمكانية طلب الأمير تميم بن حمد، من الرئيس التركي سحب قواته التي تمركزت بأرض عربية وباتت تصوب مدافعها تجاه عواصم خليجية تناصبها العداء.

 

من هذا المنطلق يمكن تصور ملامح المستقبل بين البلدين، واحتمالية عودة الأوضاع الدبلوماسية إلى ما كانت عليه قبل 5 يونيو 2017، وترك التكهنات المتعلقة بتطبيع العلاقات على مستوى القادة والمضي قدما فى تقديم البراهين على فتح صفحة جديدة تكتب بحبر حسن النوايا والتوافق على الشروط المطروحة فى كواليس الاتفاق.

 

الجزيرة على اتفاق العادة

على الرغم من سُحب التفاؤل التي غطت سماء مدينة العلا السعودية تلاحظ خلال الأيام الماضية من متابعة وسائل الإعلام القطرية، سواء قناة الجزيرة بوصفها رأس حربة نظام الأمير تميم بن حمد، وأيضا صحف “الشرق” و”الراية” و”العرب” لكونها أبرز 3 صحف تصدر بالدوحة وتبنى القائمون عليها الهجوم على دول المقاطعة خلال أعوام الأزمة منذ اندلاعها منتصف عام 2017.

تلاحظ منذ انتهاء قمة المصالحة في العلا، ابتعاد قناة الجزيرة بصورة كاملة عن الشأن الخليجي وربما العربي أجمع، وركزت تغطية موقع “الجزيرة نت” على إعادة فتح المعابر بين السعودية وقطر.

 

وتصدرت أحداث أمريكا المندلعة في 6 يناير، موقع الجزيرة سواء على صعيد الأخبار أو المقالات أو التقارير في جرعة مكثفة بشكل ملحوظ، لتعويض تجنب تغطية الملفات العربية، خصوصا الخليج ومصر، حيث اعتادت على الإفراط في المحتوى السلبي المتعلق بهذه الدول.

 

لكن بالرغم من تجنب الموقع الرئيسي التطرق للشأن السياسي المصري، عمد التركيز على أزمة كورونا، وترك المهمة في ظل التقارب الحذر بين البلدين لصفحات “الجزيرة مصر” على مواقع التواصل الاجتماعى “تويتر وفيس بوك” وظهر بوضوح الإفراط في التركيز على أزمة كورونا بطريقة “الضرب تحت الحزام” من خلال إظهار السلبيات وغض الطرف عن الإيجابيات، علاوة على نشر تعليقات عدائية ضد وسائل الإعلام المصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى