قبائل المنتاوي أسطورة العزلة وصيادو الرؤوس في قلب الغابات الإندونيسية
يطلق عليهم أعظم صائدي الرؤوس، ويؤمنون بوجود عالم خفي من الأرواح يتداخل مع حياتهم اليومية، ويتفاعلون معه باستمرار كجزء لا ينفصل عن وجودهم، قبائل المنتاوي تعيش في عزلة شبه كاملة عن العالم في الجنوب الغربي من إندونيسيا، ولا يمكن الوصول إليهم إلا سيرا على الأقدام عبر الغابات الكثيفة أو باستخدام قوارب يدوية الصنع تشق الأنهار والمستنقعات، رحلة الوصول إليهم تشبه العبور إلى زمن آخر لم تمسه الحداثة.
تاريخ قبائل المنتاوي
عاشت قبائل المنتاوي منذ آلاف السنين في الجزر الاستوائية المطيرة، واختارت العزلة طوعا هربا من الحياة المدنية وضجيجها، فاحتفظت بنمط حياة بدائي تحكمه الطبيعة وتسيطر عليه المعتقدات الروحية، حيث يرون أن الإنسان والحيوان والنبات يشتركون جميعا في امتلاك الأرواح، ويؤمنون بأنهم وحدهم القادرون على التواصل مع هذه الأرواح والتعامل معها بوصفها جزءا أساسيا من تفاصيل الحياة اليومية.
لا يمارس شعب المنتاوي طقوسا دينية بالمعنى المعروف، لكنهم يلتزمون بمعتقد صارم يقوم على ضرورة استشارة الأرواح قبل أي خطوة مهمة، خاصة عند استقبال الغرباء، ويعتمدون في ذلك على قراءة أحشاء القرابين التي يقدمونها للأرواح، حيث يرون في هذه القراءة إشارات واضحة على رضا الأرواح أو غضبها، وهو ما يحدد قبول الضيف أو رفض وجوده.
يعتمد غذاء المنتاوي بشكل أساسي على وجبة الساجوا المستخرجة من النخيل، وهي تمثل عماد حياتهم الغذائية، إلى جانب الموز ونبات القلقاس، أما في المناسبات الخاصة فيتناولون لحوم القرود والدجاج والخنازير والنمل الأبيض، ويعكس هذا النظام الغذائي بساطتهم وقدرتهم على الاكتفاء بالقليل مما توفره الطبيعة المحيطة بهم.
يحتل الوشم مكانة مركزية في حياة شعب المنتاوي، ويعد من أهم الطقوس التي تحدد هوية الفرد وانتماءه، فلكل وشم دلالة ومعنى، الوشم على الصدر يرمز إلى السهم والقوس، وعلى الفخذين يرمز إلى أرضية المنزل، وعلى اليدين يرمز إلى الشبك المستخدم في صيد الأسماك، ويجسد الوشم سجل حياة مرئي يروي قصة صاحبه وعلاقته بالمجتمع والطبيعة.
يعد تعلم العلاج بالأعشاب من القواعد الأساسية التي يجب إتقانها حتى يصبح الشخص شامانا، وهو الشخص القادر على التواصل مع الأرواح وشفاء المرضى، حيث يخلطون النباتات المرة مع جوز الهند لتقليل مرارتها، لكن نجاح العلاج يبقى مرهونا برضا الأرواح عن المعالج، فلا قيمة للمعرفة دون موافقة العالم الخفي.
تفرض قبائل المنتاوي مجموعة صارمة من المحرمات، من بينها صيد أكثر من فريسة واحدة في اليوم الواحد، وعدم الاستحمام في أوقات محددة، وعدم شرب المياه غير المغلية، والابتعاد عن النساء في فترات معينة، ويعتقدون أن مخالفة هذه القواعد تجلب غضب الأرواح وتؤدي إلى المرض أو سوء الحظ.
يخرج رجال المنتاوي لصيد الخنازير باستخدام سهام سامة يستخرجون سمها من نباتات الغابة، ويتمتع هذا السم بفعالية تدوم حتى شهرين على السهم الواحد، ما يعكس معرفتهم العميقة بخصائص البيئة المحيطة بهم، وفي الوقت نفسه تخرج النساء والأطفال للصيد في بحيرات ضحلة تتشكل بفعل الأمطار، ورغم قلة الكائنات البحرية فيها فإنهم يكتفون بالقليل مثل ثعبان البحر، انسجاما مع فلسفتهم القائمة على الاكتفاء وعدم الإسراف.
وعند وداع الضيف، يقيم شعب المنتاوي احتفالا يستمر يومين كاملين، يزينون خلاله الضيف ببعض حليهم التقليدية اعتقادا منهم بأنها تحميه من الأرواح، ويؤدون الرقصات ويذبحون القرابين لتهدئة العالم الخفي، في طقس يجمع بين الكرم والخوف والاحترام العميق لقوى الطبيعة.



