عبد الرحمن الكواكبي.. مفكر النهضة العربية وصوت مبكر ضد الاستبداد
أسماء صبحي– يعد عبد الرحمن الكواكبي واحدًا من أبرز الشخصيات الفكرية في التاريخ العربي الحديث. وأحد أوائل المفكرين الذين تصدوا علنًا لفكرة الاستبداد السياسي والديني في العالم الإسلامي. وقد شكلت كتاباته محطة فارقة في مسار النهضة العربية إذ سبق عصره في تشخيص أزمات الحكم والسلطة. ووضع أسس فكرية ما زالت حاضرة في النقاشات السياسية حتى اليوم.
نشأة عبدالرحمن الكواكبي
ولد عبد الرحمن بن أحمد الكواكبي عام 1855 في مدينة حلب، التي كانت آنذاك إحدى أهم الحواضر الثقافية في الدولة العثمانية. وينتمي الكواكبي إلى أسرة علمية عُرفت بالفقه والقضاء مما أتاح له منذ صغره الاطلاع على العلوم الشرعية واللغوية، إلى جانب اهتمامه المبكر بالسياسة والصحافة.
تلقى تعليمه في المدارس التقليدية، وتعلّم اللغة العربية والتركية والفارسية وهو ما مكنه لاحقًا من فهم آليات الحكم العثماني من الداخل والاطلاع على طبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع.
الصحافة كمنبر للمواجهة
بدأ الكواكبي نشاطه العام من خلال الصحافة، حيث أسس جريدة الشهباء ثم الاعتدال وهاجم عبرهما الفساد الإداري واستغلال السلطة في الولايات العثمانية. ولم تمر هذه المواقف دون ثمن إذ تعرض للملاحقة والسجن أكثر من مرة، قبل أن تغلق صحفه ويُضيّق عليه بشكل متزايد.
وكانت هذه التجربة المباشرة مع القمع الشرارة التي صاغت مشروعه الفكري. ودفعته إلى الانتقال من النقد الجزئي إلى النقد الجذري للاستبداد بوصفه أصل الأزمات.
الكتاب الذي سبق زمنه
يعد كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” أشهر أعمال الكواكبي وأكثرها تأثيرًا. وفيه قدم تحليلًا عميقًا لطبيعة الحكم الاستبدادي معتبرًا أن الاستبداد لا يفسد السياسة فقط، بل يفسد الدين، والعلم، والأخلاق، والاقتصاد.
ويرى الكواكبي أن الجهل هو الحليف الأول للاستبداد، وأن تحرير الإنسان يبدأ بتحرير عقله. مؤكدًا أن الشعوب لا تستعبد بالقوة وحدها بل بقبولها للاستبداد نتيجة الخوف أو التضليل.
موقفه من الدين والسياسة
خلافًا لما روج له خصومه، لم يكن الكواكبي معاديًا للدين بل كان من أشد المنتقدين لتوظيفه سياسيًا. وقد ميز بوضوح بين الدين كقيمة أخلاقية ورجال الدين حين يتحولون إلى أدوات للسلطة.
وفي كتابه الآخر “أم القرى”، طرح تصورًا إصلاحيًا يقوم على الشورى، والعدل، وفصل نسبي بين السلطة الدينية والسياسية، وهي أفكار اعتبرت جريئة وغير مسبوقة في سياقها الزمني.
المنفى والنهاية الغامضة
بسبب تضييق السلطات العثمانية عليه اضطر الكواكبي إلى مغادرة حلب متنقلًا بين عدة مدن قبل أن يستقر في القاهرة التي كانت آنذاك ملاذًا للمفكرين العرب. وهناك واصل الكتابة والتأثير إلى أن توفي عام 1902 في ظروف غامضة حيث رجح بعض المؤرخين تعرضه للتسميم دون وجود دليل قاطع.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور علي محافظة، أستاذ التاريخ والفكر العربي الحديث، إن عبد الرحمن الكواكبي لم يكن مجرد مفكر معارض. بل كان مشروعًا إصلاحيًا متكاملًا، سبق عصره في تشخيص العلاقة بين الاستبداد والجهل، وما زالت أفكاره صالحة لفهم أزمات الحكم في العالم العربي.



