عادات و تقاليد

البشعة.. طقس النار لكشف الكذب وفض النزاعات عند البدو

يمارس أهالي البدو العديد من العادات الفريدة، بعضها يثير الدهشة وبعضها يكتنفه الغموض، ومن بين تلك العادات القديمة يبرز تقليد يعرف باسم “البشعة”، وهو أسلوب كان يلجأ إليه لحل النزاعات التي تعكر صفو الحياة البدوية، واعتمد عليه بشكل خاص للفصل في القضايا الحساسة مثل السرقة ومسائل الشرف، فما هي البشعة وكيف كانت تمارس وما أنواعها؟

ما هي البشعة؟

تعتبر البشعة أحد أقدم وأغرب التقاليد البدوية المستخدمة في حسم الخلافات والكشف عن الحقيقة.

وتعتمد على تسخين قطعة معدنية — وغالبًا ما تكون ملعقة أو قضيبًا من الحديد — حتى تتحول إلى اللون الأحمر من شدة الحرارة، ثم يطلب من الشخص المتهم أن يلعق هذه القطعة بلسانه، فإذا ظهرت حروق واضحة على لسانه اعتبر مذنبًا، أما في حال عدم ظهور أي أثر للحرق فيعد بريئًا.

أنواع البشعة

كما تتعدد أنواع البشعة عند قبائل بئر السبع في فلسطين، وفي سيناء والشرقية بمصر، وكذلك جنوب الأردن وشمال الحجاز في شبه الجزيرة العربية، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

1- بشعة العيادي: وهي مقتصرة على عائلة أبو عويمر من المحاسنة، من السلاطنة من قبيلة العيايدة في سيناء، ويقع مقرها حاليًا في محافظة الإسماعيلية.

2- بشعة الدِّبِرْ: وتعود لعائلة الدبور من العمران من قبيلة الحويطات في جنوب الأردن، وبالتحديد في منطقة العقبة. وقد انتهى العمل بها فعليًا عام 1976م بوفاة آخر مبشع، وهو علي بن مساعد الدبر، إضافة إلى إلغاء قوانين الإشراف على البدو.

3- بشعة العلى (بَلِيّ): وهي خاصة بعائلة العلى من القواعين من مخلد من قبيلة بلي الحجازية (وليست بلي سيناء)، وتوجد في شمال غرب الحجاز، وقد توقفت هي الأخرى شأنها شأن بشعة الدبر، ولم يبقى معمولًا به إلا بشعة العيادي.

تفاصيل جلسة البشعة

والجدير بالإشارة أن جلسة البشعة يتم تحضيرها عن طريق مجموعة من الأشخاص الذين تتوزع أدوارهم وفق نظام دقيق:

  • العدف: هو الشخص الذي يحدد المبشع الذي سيقصده الطرفان، حيث يحق لكل طرف استثناء مبشع معين، والباقي هو من يتم اللجوء إليه.
  • مبشع: وهو المسؤول عن تنفيذ حكم القضاة العرفيين، ويعتبر ضمن فئة أصحاب الخبرة، الذين يندرج تحتهم عدة أنواع من الخبراء، منهم:
    • المَسْوَق: المختص بالإبل وأسنانها، وتسلم على يده غرامات الإبل.
    • أهل القطاعات: وهم أهل الخبرة بالزرع والأراضي الزراعية، ويتولون الفصل في النزاعات المتعلقة بها.
    • أهل العرائش: المختصون بشؤون النخيل وما يتصل به من قضايا.
    • قصاصو الأثر: وهم أهل المهارة في تتبع الأثر، ومن أبرزهم في بلاد الطور: المزينة والقرارشة، وفي بلاد
    • نخل: الحويطات السلالمة، وفي العريش: عرب بلي.
    • لحّاسة الختوم: وهم مشايخ تعينهم الحكومة ويتقاضون رواتب منها، ويتولون القضايا المتعلقة بحقوق الحكومة ورجالها، لا سيما ما يخص أجور الجمال وحقوق القبائل، وسموا بهذا الاسم لأنهم كانوا يلحسون أختامهم عند استلام رواتبهم.
    • الحسباء أو نقالة العلوم: وهم أصحاب الخبرة في تقاليد العرب والعهود المتوارثة بينهم.
    • شهود: يحضرون للتأكد من سير البشعة ونتائجها، ثم يرفعونها للقاضي دون تواطؤ أو تحريف، وقد يكونون من الكفلاء.
    • كفيل: ويتواجد من الطرفين؛ كفيل المدعي يلتزم باتباع الحلول السلمية المتفق عليها إذا ثبتت التهمة على خصمه، مثل القبول بالدية في قضايا القتل، أما كفيل المدعى عليه فيضمن التزام موكله بالحقوق إذا أدين، ولا يبدأ المبشع عمله إلا بعد تكافل الكفيلين.

وفي حال تغيب المدعى عليه عن الموعد المحدد للجلسة دون عذر مقبول يعتبر «مفلوجًا» أي خاسرًا، وتعد التهمة ثابتة عليه، كما يمكن لأي طرف تقديم بينات أو شهود قبل موعد البشعة، وبذلك يحق له طلب إلغاء الموعد وإعادة طرح القضية أمام القاضي للفصل فيها مجددًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى