البيجامة الكستور.. خيوط صنعت النصر وحكاية لا تنسى في ذاكرة المصريين
أسماء صبحي – السادس من أكتوبر عام 1973، انتفضت مصر بجيشها وشعبها لتعيد للعالم معنى الكرامة والصمود، وبين دخان المعارك وأهازيج النصر خرجت من قلب مدينة المحلة الكبرى حكاية أخرى وهي حكاية “البيجامة الكستور” التي تحولت من مجرد قطعة قماش إلى شاهد حي على أعظم انتصارات الأمة المصرية.
فبعد انتهاء الحرب ووقوع مئات الجنود الإسرائيليين في الأسر، فوجئ العالم بمشهدهم وهم يرتدون بيجامات المحلة المصنوعة بأيدي عمال مصريين، لتصبح تلك القطعة البسيطة رمزًا عميقًا لانكسار العدو وعلو الإرادة المصرية.
من مصانع المحلة إلى ميادين النصر
لم تكن بيجامة الكستور مجرد لباس للأسري بل كانت رسالة مصرية صريحة للعالم كله مفادها أن مصر لا تنتج الملابس فحسب بل تصنع العزة والمجد. واختار الرئيس الراحل محمد أنور السادات أن يرسل الأسرى الإسرائيليين إلى ديارهم مرتدين تلك البيجامة ليجعل منها رمزًا خالدًا للكرامة المصرية. ودليلًا على أن النصر ليس فقط في ساحة القتال بل أيضًا في تفاصيل الحياة وصناعتها.
في كل غرزة من نسيجها، كان ينبض القطن المصري بروح الانتماء. وكل خيط فيها يروي حكاية وطن قرر أن ينهض بعد الهزيمة فكانت البيجامة الكستور شهادة على النصر وإرثًا من الكبرياء الوطني.
البيجامة الكستور
تعد “البيجامة الكستور” واحدة من أبرز منتجات شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى. تلك القلعة الصناعية التي رسخت اسمها كرمز للجودة والدقة منذ عشرات السنين. وصنعت هذه البيجامة من القطن المصري طويل التيلة المعروف بنعومته وقوته. وكانت تستخدم في صناعتها نحو خمسة أمتار من القماش لكل قطعة مما يعكس الاهتمام بأدق التفاصيل وجودة المنتج النهائي.
تميزت بتصميمها البسيط والأنيق في الوقت ذاته فجمعت بين الراحة والمتانة. مما جعلها الخيار الأول للعائلات المصرية، وقطعة لا يخلو منها بيت. دفئها في الشتاء وتهويتها الممتازة في الصيف جعلاها مناسبة لكل الفصول، حتى صارت رمزًا للبساطة والأصالة والحنين للزمن الجميل.
ورغم تغير الأذواق وظهور الموضة الحديثة بعد الانفتاح الاقتصادي ظلت البيجامة الكستور حاضرة بقوة. تصدر إلى الخارج وتحتفظ بمكانتها بين عشاق الجودة المصرية.
في قلب المحلة
على بعد 120 كيلومترًا من القاهرة تقف المحلة الكبرى شامخة بتاريخها الصناعي. وهناك، ما زال عمال الغزل والنسيج يحكون بفخر عن تلك الأيام التي كانت فيها المصانع تعمل على مدار الساعة تصنع آلاف القطع يوميًا وترسلها إلى كل بيت في مصر. ولا تزال البيجامة الكستور معروضة حتى اليوم رغم مرور أكثر من نصف قرن على شهرتها.
رمز يحتفل بالنصر كل عام
مع حلول ذكرى نصر أكتوبر تعود شركة غزل المحلة لتحتفل على طريقتها الخاصة بنشر صور “البيجامة الكستور” على صفحاتها الرسمية مصحوبة بعبارات وطنية مثل “المصانع كبرت.. والتوصيل في 6 ساعات!”. في إشارة رمزية للعبور التاريخي الذي أنجزه الجيش المصري في ست ساعات فقط.
هكذا تبقى “البيجامة الكستور” أكثر من مجرد قطعة قماش. إنها جزء من ذاكرة وطن وشاهد على لحظة مجد خُطت بخيوط القطن المصري وبسواعد عمال لا يعرفون المستحيل. هي قصة تحكي أن النصر لا يصنع بالسلاح وحده، بل بالعمل، والإخلاص، والهوية التي لا تبهت مع الزمن.



