رحلة إلى قلب الجحيم.. كيف حول اللواء نبيل أبو النجا المستحيل إلى نصر وأسس أسطورة الوحدة 999 قتال؟
أسماء صبحي – مع حلول الذكرى الثانية والخمسين لانتصار السادس من أكتوبر المجيد. تتجدد الحكايات التي صنعت أمجاد مصر وخلدت أسماء رجال تحدوا الموت ليكتبوا بدمائهم فصول العزة والكرامة. من بين هؤلاء الأبطال، يبرز اسم اللواء نبيل أبو النجا أحد أبرز رجال الصاعقة المصرية، الذي خاض حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر. ليصبح رمزًا للشجاعة والإصرار ومؤسسًا لأقوى وحدات القوات الخاصة المصرية “999 قتال”.
من الهزيمة إلى الإصرار
تخرج نبيل أبو النجا في الكلية الحربية عام 1967 في وقت كانت فيه مصر تلملم جراحها بعد نكسة مؤلمة. لكن بدلًا من الانكسار اختار طريق الإصرار فالتحق بوحدات الصاعقة في أنشاص ليبدأ رحلته في التدريب الشاق والعمليات الجريئة خلال حرب الاستنزاف.
كانت تلك المرحلة مدرسة القتال الحقيقية التي كونت جيل أكتوبر. حيث تعلم الجنود فنون الكمائن، والاشتباك القريب، والقتال في ظروف تكاد تكون مستحيلة. وهذه التجارب صنعت مقاتلين حقيقيين جاهزين لليوم الذي ستعود فيه الكرامة المسلوبة.
ساعة العبور والنصر
حين دقت ساعة الصفر يوم 6 أكتوبر 1973 كان النقيب نبيل أبو النجا في مقدمة رجال الصاعقة الذين تسللوا خلف خطوط العدو. وتولى قيادة استطلاع المجموعة 145 التي أسندت إليها مهمة شديدة الخطورة..تنفيذ عمليات في عمق سيناء لقطع خطوط إمداد العدو وتأمين تقدم القوات المصرية.
كانت المهمة بمثابة سباق مع الزمن إذ كان على هذه المجموعات أن تحدث ارتباكًا في صفوف العدو وتمنح قوات المشاة والمهندسين الوقت الكافي لعبور القناة وبناء الكباري. وبالفعل، نجحت الخطة في تحقيق هدفها فاهتزت أسطورة الجيش الذي لا يقهر في أول ساعات الحرب.
اللواء نبيل أبو النجا ورحلة الجمال إلى جهنم
في الحادي عشر من أكتوبر واجه أبو النجا واحدة من أخطر المهام في حياته العسكرية. حين تم تكليف وحدته بتوصيل الإمدادات لوحدات الصاعقة المتوغلة في عمق 80 كيلومترًا داخل سيناء.
فشلت خمس محاولات سابقة: الطائرات أسقطت، القوارب دمرت، والعربات المدرعة تم استهدافها بنيران العدو. حينها قرر أبو النجا أن يسلك طريقًا غير متوقع تمامًا قافلة من خمسين جملاً محملة بالذخيرة والمؤن تتحرك ليلًا بصمت عبر الدروب الصحراوية.
كانت الرحلة أشبه بجولة في الجحيم طائرات العدو تحوم فوق الرؤوس والعطش يفتك بالجنود وكل خطوة كانت قد تكون الأخيرة. ووصف اللواء تلك الليالي في كتابه “رحلة إلى جهنم” قائلًا: “كنا نسير والخوف يرافقنا في كل كثيب والعطش ينخر في حناجرنا..لكن في قلوبنا يقين واحد: أن مصر تستحق أن نصل ولو كان الطريق إلى جهنم”.
وبعد أيام من السير المضني، وصلت القافلة أخيرًا إلى رجال الصاعقة المحاصرين. وكان مشهد اللقاء مؤثرًا لدرجة البكاء إذ تحول الإرهاق إلى طاقة أمل جديدة أعادت لهم القدرة على القتال. قال أبو النجا عن تلك اللحظة: “حين رأيت عيونهم تلمع بالأمل، عرفت أن كل مشقة وكل خطر كنا فيه يستحق ما بذلناه”.
تحولت رحلة الجمال تلك إلى ملحمة عسكرية خالدة تدرس حتى اليوم في الأكاديميات الحربية كأحد أعظم نماذج الابتكار في العمل القتالي خلف خطوط العدو.
مؤسس أسطورة القوات الخاصة المصرية
لم تتوقف مسيرة نبيل أبو النجا بعد انتهاء الحرب. ففي عام 1978 كان على موعد مع محطة جديدة في حياته العسكرية حين أسس الوحدة 999 قتال إحدى أهم وأقوى تشكيلات القوات الخاصة المصرية.
وكانت هذه الوحدة بمثابة الذراع الطويلة للجيش المصري تنفذ أصعب المهام وأكثرها سرية خلف خطوط الأعداء. وبمرور الوقت، أصبحت رمزًا للقوة والردع والانضباط العسكري الفائق وتحمل حتى اليوم بصمته وتقاليده القتالية الفريدة.
بصمة لا تمحى في ذاكرة الوطن
يبقى اللواء نبيل أبو النجا أحد أبرز رموز العسكرية المصرية الحديثة مقاتلًا جسد معنى الإيمان بالنصر، وضابطًا واجه المستحيل خلف خطوط العدو، وقائدًا أسس مدرسة في الشجاعة والانضباط. ومن الاستنزاف إلى العبور، ومن الجمال إلى الجحيم، سطر هذا الرجل فصلًا خالدًا في كتاب المجد المصري ليؤكد أن النصر لا يصنع إلا بالإيمان، والإصرار، وحب الوطن.



