عائلة نجم في الشرقية.. تاريخ من المجد وجذور تضرب في عمق مصر
دعاء رحيل
تعد محافظة الشرقية من المحافظات المصرية التي تحمل عبق التاريخ وتفيض بالتراث والثقافة، فقد نشأت على أرضها عائلات عريقة كان لها دور بارز في تشكيل ملامح المجتمع المحلي، ومن بين تلك العائلات تتألق عائلة نجم التي رسخت وجودها في وجدان المنطقة من خلال دورها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
تاريخ عائلة نجم في الشرقية
برزت هذه العائلة في عدد من مراكز المحافظة، وامتلكت سمعة طيبة ناتجة عن تاريخها الطويل والمشرف، وقد عرف الناس أبناءها بالاحترام والمكانة الرفيعة، وتعود أصولها إلى رجل يُدعى نجم من قبيلة السواركة التي جاءت إلى مصر مع عمرو بن العاص، وكانت واحدة من اثنتي عشرة قبيلة ساهمت في تعمير البلاد منذ القدم، وينتمي إليهم نسب الصحابي سعد بن عكاشة.
سكنت هذه العائلة لفترة على حدود مصر مع فلسطين، لكن في عام 1703، دفعتهم ظروف الفقر للانتقال إلى محافظة الشرقية، فجاء أربعة إخوة إلى هناك، واستقر أحدهم في منطقة العباسة بأبو حماد، بينما توزعت البقية بين الحسينية والمنجاة، ومنذ ذلك الحين بدأت العائلة تبني جذورها في أرض الشرقية.
تروى حكايات كثيرة عن أجداد العائلة في العهد العثماني، حيث تميزوا بالحكمة والقدرة على إدارة شؤون القرى، فكانوا محل احترام وتقدير من الجميع، وكانوا يلعبون أدوارًا مهمة في حل النزاعات، وإدارة المحاكم المحلية، إلى جانب إسهاماتهم في التعليم والمجالات المهنية المختلفة.
عندما دخلت الحملة الفرنسية منطقة الصالحية، وقف نجم وإخوته في وجهها بكل شجاعة، وكافأهم والي مصر على بطولتهم بمنحهم عشرة آلاف فدان في زمام الحسينية، بالإضافة إلى أراض في منطقة فاقوس عرفت فيما بعد باسم خرايب أبونجم، وهي أراضٍ كانت مهجورة آنذاك لعدم توفر المياه، ولم تُزرع إلا بعد حفر ترعة الإسماعيلية.
نفوذ العائلة
توسعت رقعة نفوذ العائلة مع مرور الوقت، وامتدت أنشطتها إلى مختلف المجالات، فقد اشتهرت بمساعدة الفقراء، وأصبحت مرجعًا في الحكمة والمشورة، كما لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على التقاليد والموروثات المحلية، وانتقل عدد من أبنائها إلى منطقة العباسة، حيث عُرفت لاحقًا باسم كفر نجم وأرض الملاك، واستصلحوا هناك أراضيًا جبلية بلغت مساحتها نحو ثلاثة آلاف فدان.
ومن المواقف التي تركت أثرًا في تاريخ العائلة، قصة أحد كبارها الذي كان من أقطاب مولد أبومسلم، وكان يحضر تلك المناسبات بصحبة موكب من الخفر والمماليك، وفي إحدى المرات، أصيب بطلق ناري عن طريق الخطأ، وأقيمت جلسة كبيرة للثأر من الجاني، لكن الابن الأكبر محمد نجم، أمسك بالسيف ووضعه على رقبة القاتل، ثم عفا عنه لوجه الله.
لم يقتصر تأثير العائلة على الشأن الاجتماعي فقط، فقد ساهمت بقوة في قطاع التعليم من خلال إنشاء المدارس والمراكز التعليمية، وتولى عدد كبير من أبنائها مناصب مرموقة في الدولة، وبرز منهم أكثر من ستة وعشرين لواءً في القوات المسلحة، وسبعة عشر لواء شرطة، إلى جانب ثلاثين طبيبًا، كما خرج من العائلة أول عمدة في العباسة، وكان له نفوذ واسع وقدرة على حل الأزمات، وتوالت العمودية من بعده إلى ابنه محمد الذي واجه العثمانيين والإنكشارية بشجاعة على حدود الشرقية.
اقتصاديًا، تخصصت العائلة في تجارة الأراضي الزراعية، وامتلكت مساحات كبيرة في بلبيس وأبو حماد، وساهمت في تطوير الزراعة عبر إدخال وسائل حديثة، مما عزز من دخلها وقوتها الاقتصادية، كما تقاربت مصالحها مع المجتمع الريفي المحيط بها.
أبرز رموز العائلة
ومن أبرز رموز العائلة، الشوادفي بك نجم، الذي عُرف برجاحة العقل وسعة العلم، واستطاع حل العديد من المشكلات دون الحاجة لتدخل حكومي، وقد نال الباكوية من الخديوي عباس، بعد أن استضافه لثلاثة أيام في أرض الملاك عندما تعطلت الدهبية الملكية في ترعة الإسماعيلية، كما حصل على النيشان الملكي تقديرًا لضيافته الرفيعة.
كان للشوادفي أيضًا مواقف وطنية مهمة، أبرزها دعمه لجيش عرابي عندما انقطعت عنه الإمدادات قرب كوبري العباسة، فأمده بالغذاء والمستلزمات، وبعد وفاته تولى محمد نجم العمودية لأربعين عامًا، وواجه الاحتلال البريطاني بحزم، فاستضاف الفدائيين ومولهم، ما جعل قوات الاحتلال تعجز عن دخول منطقته.
اهتمت العائلة أيضًا بالأنشطة الثقافية والدينية، وتولى عدد من أبنائها مناصب داخل المساجد، إما كأئمة أو معلمين دينيين، وكانت داعمًا قويًا لحركة المقاومة الشعبية منذ عام 1949، حين كانت المعسكرات البريطانية تقيم في التل الكبير، فكانت العائلة توفر الطعام والدعم للطلبة والعمال المقاومين القادمين من القاهرة.
وقدمت العائلة شهداء في سبيل الوطن، أبرزهم فاروق نجم الذي استشهد في سيناء أثناء الاحتلال الإسرائيلي، وسميت مدرسة باسمه في فاقوس، كما خُصصت له قاعة في الكلية الحربية، وبعد أن احتفظت إسرائيل بجثمانه شهرًا، أُعيد عبر الصليب الأحمر، وشارك الجيش المصري بجميع قطاعاته في مراسم العزاء.
تنتشر العائلة اليوم في مدن ومراكز عديدة داخل الشرقية، مثل كفر نجم في أبو حماد، وعزبة نجم في فاقوس، وعزبة أبونجم في صان الحجر بالحسينية، إلى جانب وجودها في الزقازيق والإسكندرية والقاهرة، وحتى في قطاع غزة بفلسطين، وتتميز العائلة بترابط اجتماعي قوي، حيث يلتزم أبناؤها بالقيم العائلية، ويساندون بعضهم في كل الظروف.
تقوم القرارات المصيرية داخل العائلة على روح الشراكة، سواء في الأمور الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، وتُعد هذه الروح الجماعية من أهم أسباب استقرار العائلة ومكانتها في المجتمع، وقد عُرفت العائلة بمقولة قديمة مفادها أن بناتها لا يتزوجن إلا من داخل العائلة، وهو ميثاق أقره محمد بك الشوادفي مع عطية نجم، وفُك لاحقًا بعد مرور الزمن.
طقوسها
تميزت أفراح العائلة بطقوس خاصة، فكانت تستمر لأسبوعين، ويأتي العريس على حصان والعروس على جمل، وشاركت أم كلثوم في أحد أفراحهم عام 1921، عندما أقام الشوادفي نجم عرسًا لولده وابنتيه، فمكثت ثلاثة أيام في العزبة، وذبح أكثر من سبعة عشر عجلًا وأربعين خروفًا، أما المأتم فكان يستمر لأربعين يومًا، يُذبح خلالها الذبائح للمعزين.
سياسيًا، حافظت العائلة على حضور قوي، فقد شارك أبناؤها في الانتخابات المحلية، وتقلد كثير منهم مناصب مهمة في الدولة، ومنهم محمد المرسى نجم مدير عام السكك الحديدية، وعبد الفتاح الشوادفي نجم مستشار في الإذاعة والتلفزيون، وثريا نجم وكيل وزارة الإعلام، واللواء عصام نجم مساعد وزير الداخلية، واللواء عبد الفتاح نجم رئيس مباحث الدقهلية.
كما برز عطية عثمان نجم مخرجًا تلفزيونيًا، وسعاد نجم ومجيدة نجم في الإخراج بالتلفزيون المصري، إلى جانب عز أنور نجم مستشارًا بوزارة المالية، وعدلي نجم مديرًا عامًا بالتربية والتعليم، والدكتور إسماعيل نجم وكيل كلية الطب، والدكتور أحمد حافظ نجم وكيل كلية الحقوق.
ومن الشخصيات العسكرية البارزة، عميد طيار محمود نجم، واللواء فيصل نجم بأمن التلفزيون، وعميد فوزي نجم، واللواء سمير نجم، واللواء محمد نجم، واللواء صلاح نجم مدير كلية القادة والأركان، كما شملت قائمة الشخصيات المؤثرة الحاج عطية نجم رجل الأعمال، والشاعر أحمد فؤاد نجم، وعلي نجم محافظ البنك المركزي سابقًا، وحسن عطية نجم، واللواء عبد الفتاح نجم الذي شغل منصب مدير أمن في عدة محافظات، والمستشار نجم محمد نجم بمحكمة النقض الذي عرف بإنصافه في القضايا السياسية.



