حوارات و تقارير

من مطارد للنبي إلى لابس سواري كسرى.. كيف قلبت الهجرة حياة سراقة بن مالك؟

في إحدى ليالي مكة الحالكة، حين كانت قريش تترقب حركة الرسول صلى الله عليه وسلم، اجتمع زعماؤها على قرار حاسم، وهو القضاء عليه، معتقدين أن الخلاص منه سينهي دعوته ويعيد الأمور لصالحهم. لكن النبي بقلبه المطمئن وإيمانه الثابت، انطلق مع رفيقه أبو بكر الصديق في رحلة الهجرة نحو المدينة، يتركان خلفهما وطنًا اشتد فيه الخطر.

في كل درب ومنعطف، أطلقت قريش أعينها تفتش وتترصد، تبحث عن أثر أو علامة، كصياد يتبع فرائسه بين الكثبان. لكن الحماية الإلهية أحاطت بالنبي ورفيقه، فخابت كل محاولاتهم، ولم يجدوا لهما طريقا.

بعد أن أرهقهم البحث، أعلنت قريش عن مكافأة ضخمة، مئة ناقة لمن يعثر على محمد حيًا أو ميتًا، وصلت هذه المكافأة إلى مسامع سراقة بن مالك، الفارس المعروف بشجاعته من بني مدلج. جلس بين قومه يتظاهر بالهدوء، بينما الطمع لمع في عينيه، وراح يخبئ نواياه.

وسط حديث القوم، دخل أحد الرجال يخبرهم بأنه رأى ثلاثة رجال يبدون وكأنهم النبي ورفاقه. ابتسم سراقة بخبث وقال إنهم مجرد رجال من قبيلة أخرى يبحثون عن ناقتهم، محاولًا إبعاد الشكوك ليظفر بالجائزة لنفسه.

بعدما هدأ الحديث، انسحب سراقة في صمت، ارتدى درعه، حمل سيفه، وامتطى جواده، منطلقًا بسرعة عبر الصحراء، يدفعه شغفه بالمطاردة وطمعه في النوق. لمح النبي وصاحبه من بعيد، فاندفع نحوهم. فجأة، تعثر جواده وسقط، ثم أعاد المحاولة، حتى اقترب، فمد يده إلى قوسه، لكن يده توقفت عن الحركة، وكأن قوة خفية شدتها.

في لحظة مريبة، غاصت قوائم فرسه في الرمال، وكأن الأرض أمسكت بها، حاول أن يحركه فلم يستطع. عندها نادى النبي وقال له، إن أطلق الله فرسه سيعده بعدم التعرض لهما دعا النبي، فانطلقت القوائم، لكن سراقة لم يتعظ، فعاد يحاول، ليغوص الفرس من جديد. تكررت المعجزة، فصاح سراقة مستسلمًا، وعرض أن يمنحهم زاده وسلاحه، وأن يتكفل بإبعاد من يتبعهم.

رفض النبي الزاد، لكنه طلب منه أن يصرف عنهم من يتعقبهم. وقبل أن يعود سراقة أدراجه، سأله النبي عما يريده، فأجاب بأنه يوقن أن هذا الدين سينتصر، وطلب منه وعدًا بالأمان وكتابًا من النبي إن وصل إلى ملكه. فأمر النبي عامر بن فهيرة أن يكتب له على جلد قطعة أمان تحفظ له حقه.

وقبل أن يغادر، قال له النبي كلمات قلبت كيانه، وسأل سراقة كيف سيكون حاله حين يلبس سواري كسرى. تساءل سراقة بدهشة، هل تقصد كسرى بن هرمز؟ فأكد له النبي ذلك، ثم انطلق سراقة يخفي ما شاهده، ويخبر الناس بأنه لم يجد شيئًا، إلى أن تأكد من وصول النبي سالمًا إلى المدينة، فأفشى سره.

مرت الأعوام، ولم يسلم سراقة إلا بعد فتح مكة. ذهب إلى النبي في الجعرانة يحمل معه رقعة الأمان، وقال له إنه سراقة، صاحب الوعد. ابتسم النبي وقال له إنه يوم الوفاء، وأمره بالاقتراب، فأسلم وأعلن إيمانه.

وفي عهد عمر بن الخطاب، انتصر المسلمون على الفرس، وجاءت الغنائم من أرض كسرى، فأمر عمر بإحضار سراقة، وألبسه قميص كسرى وسراويله وخفيه، وقلده سيفه، ووضع تاجه وسواريه على يديه. طاف سراقة في المدينة على فرسه، والناس يهتفون بالتكبير، بينما عمر يردد كلمات الحمد، قائلا إن الله نزع الملك من كسرى وألبسه لرجل من أعراب بني مدلج.

أما سراقة، فظل يردد كلمات الفاروق، وقلبه يضج بالإيمان والعجب من صدق وعد النبي الذي تحقق رغم كل ما بدا مستحيلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى