“شارع تحت الربع”| حكاية أقدم أماكن صناعة فوانيس رمضان.. وهذا سبب تسميته

أميرة جادو
يرتبط شهر رمضان بالعديد من المظاهر الاحتفالية التي تبعث البهجة في قلوب الملايين، حيث تتلألأ الشوارع بأضواء مبهرة وألوان زاهية، وتتزين بالفوانيس والخيامية، إلى جانب الفلكلور والتقاليد الشعبية التي تضفي طابعًا خاصًا على هذا الشهر الفضيل، كان المصريون أول من استخدم فوانيس رمضان وابتكروا تصميماتها، حيث تطورت من المعدن إلى البلاستيك، مرورًا بالتصميمات الخشبية المزخرفة بالنقوش الإسلامية، منذ العصر الفاطمي وحتى الجمهورية الجديدة في 30 يونيو.
لم تقتصر وظيفة الفانوس على الإضاءة ليلًا، بل أصبح وسيلة ترفيهية للأطفال وزينة مميزة تضيء شوارع القاهرة منذ الدولة الفاطمية، حيث كان الأطفال يطوفون الشوارع حاملين فوانيسهم. وانتشرت فكرة الفانوس المصري إلى العديد من الدول العربية، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من تقاليد رمضان في مختلف أنحاء العالم.
تاريخ شارع تحت الربع
وفي هذا الإطار، كشف الدكتور عبد الرحيم ريحان، الخبير الأثري، أن تاريخ شارع “تحت الربع” يعود إلى تأسيس مدينة القاهرة على يد القائد جوهر الصقلي، الذي أسكن عساكر البربر والسودان خارج أسوار المحروسة، ولا سيما عند “باب زويلة”. يقع شارع “تحت الربع” خارج باب زويلة من الجهة اليمنى حتى باب الخرق، الذي يعرف اليوم بـ”باب الخلق”. وكان يطلق عليه قديمًا اسم “حارة السودان”.
سبب تسمية شارع الربع
أوضح “ريحان”، أن اسم “شارع الربع” لم يظهر إلا خلال العصر المملوكي، حيث كان يعرف سابقًا بـ”حارة السودان”. وعندما تولى الظاهر بيبرس الحكم، قام بتطوير المنطقة المحيطة به، وأنشأ ربعًا جديدًا لم يبقى منه شيء حاليًا. حيث تعرض لحريق كبير عام 721هـ – 1221م. كان هذا الربع يقع بين باب زويلة وباب الفرج، وعرف بخط تحت الربع، وكان يضم 120 مسكنًا.
وأشار “ريحان”، إلى أن الربع كان عبارة عن مجمع سكني مغلق بمدخل واحد فقط، ويصعد إلى الطابق العلوي عبر سلم يؤدي إلى ممر طويل تحيط به المساكن. لم تكن هذه المساكن تُؤجر إلا للعائلات، حيث لم يكن يسمح للغرباء باستئجار وحدات سكنية داخل الربع إلا إذا كانوا بصحبة أسرهم.
تغيير اسم الشارع
شهد الشارع عدة تغييرات عبر الزمن، حيث أعيدت تسميته ليحمل اسم “شارع أحمد ماهر”، غير أن المصريين ظلوا متمسكين باسمه القديم “تحت الربع”، الذي لا يزال محفورًا في ذاكرة سكان القاهرة.
علامة في صناعة الفوانيس
تحول شارع “تحت الربع” إلى أحد أشهر الأسواق المتخصصة في صناعة وتجارة فوانيس رمضان. حيث يتوافد عليه آلاف المصريين كل عام لشراء الفوانيس التقليدية التي تعكس أصالة التراث المصري. شهدت هذه الصناعة ازدهارًا وانتشارًا واسعًا في الشارع منذ مطلع القرن التاسع عشر.
لم يقتصر نشاط شارع “تحت الربع” على صناعة الفوانيس، بل كان أيضًا سوقًا رئيسيًا للنحاسين وصناعة الصفيح. ولا تزال هذه الحرف قائمة حتى يومنا هذا. كما اشتهر الشارع بتجارة المكسرات وبيع المسقط (مخلفات الذبائح)، إلى جانب صناعة القرون الخشبية التي تستخدم في تقطيع اللحوم، فضلًا عن صناعة الأخشاب.
تحولات معمارية عبر الزمن
أكد “ريحان”، أن معالم شارع “تحت الربع” قد تغيرت بمرور الزمن، حيث شهد إنشاء مباني حديثة وتوسعة الشارع، الذي لم يكن يتجاوز طوله 115 مترًا قديمًا. في الماضي. كانت تنتشر في الشارع الخنادق والممرات الضيقة التي تربطه بالحارات المجاورة.
ورغم التحولات العمرانية، لا يزال الشارع يحتفظ بأهميته التاريخية، حيث يعتبر منطقة أثرية تحتضن العديد من المعالم الإسلامية، منها باب زويلة، ومسجد السيدة فاطمة. وجامع المؤيد شيخ، التي لا تزال شاهدة على تاريخ القاهرة العريق.