حوارات و تقارير

رجال “الأزء” في دمياط.. قوة تتحكم في وحوش البحر

في قلب ورش صناعة السفن في دمياط، حيث يتلاقى الخشب مع الحديد لصنع مراكب الصيد واليخوت، يعمل رجال “الأزء” في مهمة لا غنى عنها. فهم المسؤولون عن سحب السفن من المياه إلى اليابسة للصيانة. ثم إعادتها إلى البحر بعد إتمام العمل، في عملية دقيقة أقرب إلى الهندسة منها إلى مجرد مجهود عضلي.

قصة رجال “الأزء”

تبدأ المهمة بتجهيز ألواح خشبية متينة، وأسلاك واير ثقيلة، وسلاسل حديدية ضخمة، ثم يتحرك العمال بخبرة متوارثة لجذب المراكب إلى اليابسة، مستخدمين قوة أجسادهم وعقولهم المدربة، ليصبحوا جزءًا لا يتجزأ من هذه الصناعة التي تشتهر بها دمياط.

قال هيثم معاطي، أحد أصحاب ورش صناعة السفن، أن هؤلاء الرجال يمثلون عصب المهنة. فلا يمكن بدء أي أعمال صيانة دونهم، فهم من يتحكمون في السفن أثناء سحبها وإعادتها إلى المياه، وهو عمل محفوف بالمخاطر. حتى أن اسم “الأزء” جاء ليعبر عن حجم التحديات التي يواجهها هؤلاء العمال، حيث قد تتسبب ضربة غير محسوبة من أسلاك الواير الثقيلة في إصابات بالغة قد تصل إلى بتر الأطراف.

ورغم التطور التقني، لا يزال عمال الأزء في دمياط يعتمدون على الطرق اليدوية في تحريك السفن، وهو ما جعلهم يحققون شهرة واسعة في هذا المجال. يتم كل شيء وفق معايير هندسية صارمة، حيث تحدد أبعاد الأخشاب المستخدمة بعناية لضمان توازن المركب أثناء سحبه أو إنزاله، وهو ما يؤكد على الخبرة الفريدة التي يتمتع بها هؤلاء العمال.

كشف عم محمود، كبير عمال الأزء،  عن خبرته التي تمتد لأكثر من 25 عامًا قائلاً: “لا يمكن الاعتماد على الماكينات في هذا العمل، لأن التحكم اليدوي يوفر سيطرة أكبر على حركة السفن، فالمسؤولية هنا ضخمة، والخطأ قد يكون كارثيًا”.

وأضاف أن المهنة تتطلب قوة بدنية هائلة بجانب يقظة ذهنية دائمة، إذ أن أي خطأ بسيط قد يؤدي إلى خسائر فادحة أو حتى فقدان أحد العمال. ورغم كل ذلك، يبقى الشعور بالإنجاز هو المكافأة الحقيقية، فحين تلامس السفينة المياه مجددًا، يكون رجال الأزء قد أتموا مهمتهم بنجاح، بعد أن قاموا بحسابات دقيقة لكتلة المركب، واتجاه الرياح، وزوايا الحركة، كل ذلك بالعين المجردة، في مهارة لا يمتلكها سوى أبناء هذه المهنة العريقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى