قراءة في قصة نوبة يقظة للكاتبة عبير نعيم أحمد
قراءة في قصة نوبة يقظة للكاتبة عبير نعيم أحمد
كتب حاتم عبدالهادي السيد
قصة “نوبة يقظة” للكاتبة عبير نعيم أحمد، هي عمل أدبي مُفعم بالرمزية والمفارقات التي تمزج بين الواقع والخيال بأسلوب بسيط ظاهريًا لكنه عميق المعاني. تعتمد القصة على أسلوب السرد المتسارع الذي يُبقي القارئ متورطًا في الأحداث من البداية وحتى النهاية.
كما تبدأ القصة بمشهد مليء بالغموض والحركة، حيث يُلقى القارئ مباشرة في أجواء الهروب من السجن، مما يثير الفضول حول الأحداث القادمة
وفي هذا السياق ننشر قصة الكاتبة :
(نَظَرَتْ مِنْ أَعْلَى . . اَلسِّجْنَ مُحَاط بِالْحُرَّاسِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، نَظَرَتْ عَلَى يَمِينِ اَلسَّطْحِ ، وَجَدَتْ مَبْنًى ضَخْمًا مُلَاصِقًا لِمَبْنَى اَلسِّجْنِ ، وَثَبَتَ قَفْزَةً قَوِيَّةً ، أَسْقَطَتْنِي جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ فِي حُجْرَةٍ كَبِيرَةٍ مُحَاطَةٍ بِالْكَامِيرَاتِ حَوْلِي .
أَسْمَعُ صَوْتًا يَقُولُ لِي اُنْظُرْ إِلَى اَلْكَامِيرَا ، سَنَبْدَأُ اَلْبَرْنَامَجَ ، شَعَرَتْ بِتَوَتُّرٍ وَقَلَّتْ أَيَّ بَرْنَامَجٍ ؟ ! لَابُدٌّ أَنَّ اَلشُّرْطَةَ عَرَفَتْ بِهُرُوبِي وَسَيُحَقِّقُونَ مَعِي أَمَامَ اَلتِّلِيفِزْيُونِ لِشَفَافِيَّةِ اَلتَّحْقِيقِ .
اِقْتَرَبَ مِنِّي رَجُلٍ يَحْمِلُ كَامِيرَا ، وَقَالَ لِي : أَنَا اَلْمُخْرِجُ ، لَقَدْ تَأَخَّرَ مُذِيعُ اَلْبَرْنَامَجِ ، وَلَابُدَّ أَنَّهُمْ أَحْضَرُوكَ بَدِيلاً عَنْهُ ، تَلَعْثَمَ لِسَانِي فِي اَلرَّدِّ ، وَقَلَّتْ بِتَأْتَأَةٍ : نَعَمْ أَنَا بَدِيلُ اَلْمُذِيعِ ، فَلَيْسَ أَمَامِي خِيَارٌ آخَرُ ، نَظَرَتْ إِلَى مَلَابِسِي ، وَجَدَّتُهَا لَا تَصْلُحُ لِتَكَوُّنِ مَلَابِسِ مُذِيعٍ ، فَطَلَبَتْ مِنْ اَلْمُخْرِجِ مَلَابِسَ أُخْرَى ، لَكِنَّهُ قَالَ : اَلْوَقْتُ ضَيِّقٌ جِدًّا فَمِيعَادَ اَلْحَلْقَةُ اَلْآنِ وَلَمْ تَتَبَقَّ غَيْرُ ثَوَانٍ ، رَجَاءٌ أَبْدَأَ .
جَلَسَتْ بَغَرُورْعَلِىْ اَلْكُرْسِيُّ وَنَظَرَتْ إِلَى اَلْكَامِيرَا ، وَبَدَأَ اَلْبَرْنَامَجُ ، لَكِنْ نَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَ اَلْمُخْرِجُ عَنْ مَوْضُوعِ اَلْحَلْقَةِ ، مَا عَلَيَّ سِوَى اِرْتِجَالِ مَوْضُوعٍ لِلتَّحَدُّثِ فِيهِ لِنَيْلِ رِضَا اَلْمُخْرِجِ ، حَتَّى لَا يَطْرُدُنِي وَتَقْبِضُ عَلَى اَلشُّرْطَةِ فِي اَلْخَارِجِ .
نَفَخَتْ صَدْرِي ، وَجَمَعَتْ كُلَّ شَجَاعَتِي ، وَانْطَلَقَ اَلْحَدِيثُ مِنْ فَمِي : طَابَ مَسَاؤُكُمْ ، أَنْتُمْ بِالطَّبْعِ لَا تَعْرِفُونَنِي فَأَنَا مُذِيعٌ جَدِيدٌ فِي اَلْبَرْنَامَجِ ، وَلَا تَنْدَهِشُوا مِنْ مَلَابِسِي فَأَنَا أَرْتَدِيهَا مُتَعَمَّدًا هَذَا اَلْيَوْمِ تَضَامُنًا مَعَ يَوْمِ اَلْحَارِسِ اَلْعَالَمِيِّ ، فَهَذَا اَلرَّجُلُ يَبْذُلُ مَجْهُودًا كَبِيرًا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَكُونَ اَللُّصُوصُ وَالْخَوَنَةِ فِي مَكَانِهِمْ اَلطَّبِيعِيِّ ، تَعَالَى تَصْفِيقُ اَلْإِعْدَادِ وَالْمُخْرِجِ . . أَحْسَنَتْ أَحْسَنَتْ اِنْطَفَأَتْ أَنْوَارُ اَلْكَامِيرَاتِ.
أَثْنَى عَلَى اَلْمُخْرِجِ قَائِلاً أَنْتَ أَفْضَل مِنْ مُذِيعِ اَلْبَرْنَامَجِ اَلْحَقِيقِيِّ يَا . . . وَلَكِنْ مَا اِسْمُكَ ؟ . . تَرَدَّدَتْ أَنْ أَقُولَ اِسْمِي اَلْحَقِيقِيُّ فَقُلْتَ لَهُ أَوَّلِ اِسْمٍ تُبَادِرُ إِلَى ذِهْنِي . نَبْهَانْ ، قَالَ : اِنْتَظَرَ هُنَا حَتَّى نَحْضُرَ لَكَ مَبْلَغًا مِنْ اَلْمَالِ كَهَدِيَّةٍ لَكَ ، فَدَخَلَ مُسَاعِدُهُ وَهَمَسَ لَهُ فِي أُذُنِهِ . شَعَرَتْ بِقَلَقٍ لَعَلَّهُمْ اِكْتَشَفُوا أَمْرِي !
فَاقْتَرَبَ مِنِّي وَقَالَ أَلْفَ مَبْرُوكٍ يَا سَيِّدْ نَبْهَانْ، لَقَدْ لَاقَتْ اَلْحَلْقَةُ اِسْتِحْسَان كَبِيرٍ لِذَلِكَ سَيَتِمُّ تُعِينَكَ مُذِيعًا رَسْمِيًّا لِلْبَرْنَامَجِ .
نَبْهَانْ : لَا أَعْرِفُ مَا هَذِهِ اَلْوَرْطَةِ اَلَّتِي وَضَعَتْنِي اَلْأَقْدَارُ فِيهَا ، وَلَكِنْ رُبَّمَا وَرْطَةَ مُذِيعِ أَفْضَلَ مِنْ وَرْطَةِ اَلْعَوْدَةِ إِلَى اَلسِّجْنِ ، فَوَافَقَتْ وَمَضَيْتُ مَعَهُمْ عَقْدَ لِمُدَّةِ عَامًا كَامِلاً ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ تَوْفِيرِ حُجْرَةٍ لِي بِجَانِبِ اَلْاُسْتُدْيُو .
وَافَقَ اَلْمُخْرِجُ عَلَى هَذَا اَلشَّرْطِ ، اِقْتَرَبَ عَقْدُ اَلْقَنَاةِ مِنْ اَلِانْتِهَاءِ ، واِقْتَرَحَ أَنْ نُقَدِّمَ حَلْقَةٌ عَنْ اَلْبِلْيَاتْشُو . . أَحْضَرُوا لِي زِيُّ اَلْبِلْيَاتْشُو ، وَقُمْتُ بِارْتِدَائِهِ ، وَجَلَسَتْ أَمَامَ اَلْكَامِيرَا لِتَبْدَأَ اَلْحَلْقَةُ .
أَنَا اَلْبَلِيَاتْشُوَالَذِىْ يَخْدَعُكُمْ بِوَجْهِهِ اَلْحَزِينِ تَحْتَ اَلْأَلْوَانِ اَلْمُزَرْكَشَةِ وَأَنَا سَعِيدٌ ، أَبْكِيكُمْ وَلَا أَبْكَى .
وَبَعْدٌ أَنْ يَنْتَهِيَ اَلْعَرْضُ اِسْتَقَلَّ سَيَّارَتِي اَلْفَارِهَةَ وَبِجَانِبِي زُجَاجَةُ اَلنَّبِيذِ لَأَنْسَى وُجُووهَكُمْ وَأَنْتُمْ تَبْكُونَ مِنْ اَلْخُدْعَةِ !.
بَكَى اَلْمُخْرِجُ مِنْ صِدْقِ اَلْإِلْقَاءِ فَصَفَّقَ بِحَرَارَةِ وَحَمَاسَ وَقَالَ : يَالْهَا مِنْ حَلْقَةٍ رَائِعَةٍ ، تَبَقَّى حَلْقَةً وَاحِدَةً وَيَنْتَهِي اَلْعَقْدُ مَعَه ،وعَرْضٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ اَلْحَلْقَةُ اَلْأَخِيرَةُ عَنْ اَلْفُقَرَاءِ ، فَيَوْمُ اَلْفُقَرَاءِ اَلْعَالَمِيِّ غَدًا .
كُنْتَ سَعِيدًا أَنَّ هُرُوبِي جَعَلَنِي مِنْ اَلْمَشَاهِيرِ ، وَلَنْ يَتَجَرَّأَ أَحَدًا عَلَى اَلْقَبْضِ عَلِي .
تَجَهَّزَتْ اَلْكَامِيرَاتُ وَسَلَّطَ اَلْمُخْرِجُ اَلْكَامِيرَا أَمَامَ وَجْهِي وَقَالَ أَبْدَأُ يَا سَيِّدْ نَبْهَانْ . وَأَنَا أَرْتَدِي زِيُّ اَلْفُقَرَاءِ وَتُطِلُّ مِنْ عَيْنِي نَظَرَاتِ اَلْفُقَرَاءِ وَتَفُوحُ مِنْ جَسَدِي رَائِحَةَ اَلْفَقْرِ ، لِأَوَّلِ مَرَّةِ لَنْ أَرْتَجِلَ ، فَصَوْتَيْ هَذِهِ اَلْمَرَّةِ هُوَ صَوْتِيٌّ اَلْحَقِيقِيِّ ، صَوْتُ صفوان اَلْحَقِيقِيَّ اَلْبَائِسِ .
لم أتمالك نفسى من البُكاء . . قرب المُخرج الكاميرا أكثر على وجهى حتى تكبر مشهد البكاء، فلم أجد ما أختم به الحلقة غير أن أزف خبرًا سارًا للفُقراء، أن ستصرف لهم مكافئة كبيرة اعترافا بيوم الفقراء العالمي، فجأة انطفأت أنوار الكاميرات في وجهى واظلم الاستديو وسمعت صوت المخرج يسبني!
وقال بعصبية: القناة ستقيلك حالا لأنك تقول أخبار غير حقيقية، وسيتم القبض عليك بتهمة انتحال صفة مُذيع، أبلغ المخرج الشرطة وقبضوا علي داخل الاستديو وتمت محاكمتي بخمس سنوات أخرى لانتحال صفة فقير!
ضربت وجهى بيدي، وأقسمت لهُم أني لم أنتحل شخصية أحد، أنا فعلا فقير، حتى تورم خدى من الضرب شعرت أن أحد ضروسي سقط من شدة الضرب على وجهى، صرخت مستغيثا النجدة النجدة.
سأصاب بنزيف حاد.
– النجدة . . النجدة.
أصابع تلامس كتفي ،
إنه حارس السجن!!
اهدأ يا صفوان سنعطيك حقنة منوم أخرى بعد أن وجدناك تمشى وأنت نائم داخل الزنزانة).