عادات الدفن والتحنيط عند قدماء المصريين ورحلة الروح إلى الأبدية
كتبت شيماء طه
تُعدّ عادات الدفن والتحنيط من أبرز مظاهر الحضارة المصرية القديمة وأكثرها شهرة وغموضًا، فقد كانت تجسد رؤية المصريين للحياة بعد الموت وأهمية الحفاظ على الجسد ليستطيع الروح مواصلة رحلتها الأبدية. ابتكر المصريون طرقًا مذهلة في التحنيط والبناء المعماري للقبور، مما جعل آثارهم من أهرامات ومقابر تحكي قصصًا عن إيمانهم العميق بالخلود وحياتهم الروحانية.
فلسفة الموت والحياة الأبدية
آمن المصريون القدماء بأن الموت ليس نهاية، بل بوابة إلى حياة أخرى، حيث يعيش المتوفى في “الجنة” الأبدية أو العالم الآخر “حقول أوزير”، شريطة أن تكون روحه طاهرة. وكانوا يعتقدون بأن الإنسان مكوّن من أجزاء عدة، منها الجسد، الروح “كا” والقرين “با”، ويشترط لبقاء هذه الأرواح أن يبقى الجسد سليمًا ومصانًا، لذا كان التحنيط جزءاً أساسياً من الطقوس الجنائزية لضمان الحياة الأبدية.
عملية التحنيط
تطورت عملية التحنيط عبر قرون، وبلغت ذروتها في الدولة الحديثة. وكانت تستغرق 70 يومًا، وتتم وفق خطوات دقيقة منها:
تنظيف الجسد: يتم غسل الجسم وتطهيره من أي شوائب.
إزالة الأعضاء الداخلية: يتم استخراج أعضاء البطن والصدر مثل الكبد والأمعاء والرئتين، ويتم تخزينها في أوانٍ خاصة تُعرف بـ”الأواني الكانوبية”، مع ترك القلب في الجسد لأنه يعتبر مركز الروح.
استخدام ملح النطرون: يُغمر الجسد في ملح النطرون لتجفيفه من السوائل، وهي عملية تستغرق حوالي 40 يومًا.
حشو الجسد: بعد التجفيف، يتم حشو الجسم بمواد مثل الكتان أو الرمل للحفاظ على شكله.
التغليف باللفائف الكتانية: يتم لف المومياء بطبقات متعددة من الكتان مع وضع طبقات من الراتنج للحفاظ عليها.
وضع القناع الجنائزي: يوضع قناع فوق رأس المومياء، ويكون من الذهب للأثرياء والملوك، لحمايتها ولتسهيل تعرف الروح عليها.
عادات الدفن ومحتويات المقبرة
بجانب التحنيط، اهتم المصريون بتجهيز المقابر بالأثاث والأطعمة والأسلحة وغيرها من الأدوات التي قد يحتاجها المتوفى في حياته الأبدية.
وتختلف مكونات المقابر باختلاف المكانة الاجتماعية؛ ففيما تقتصر مقابر البسطاء على أدوات بسيطة، تُزين مقابر الفراعنة بالأثاث الذهبي والتماثيل والكنوز الثمينة.
الأهرامات والمعابد الجنائزية: استخدم الملوك الأهرامات كمقابر ضخمة تحوي غرفاً للدفن وغرفاً للكنوز، كما أنشأت المعابد الجنائزية لتقديم القرابين والدعاء للمتوفى.
النصوص الجنائزية: اهتم المصريون بنقش نصوص على جدران المقابر مثل كتاب الموتى، وهو دليل للمتوفى في رحلته إلى العالم الآخر ويشمل الأدعية والرموز السحرية.
التماثيل والطعام: كان يتم وضع تماثيل صغيرة تُدعى “الأوشبتي”، وهي تمثل الخدم في العالم الآخر. كما توضع الأطعمة والمشروبات لضمان تلبية احتياجات المتوفى الروحية.
طقوس الدفن
كانت طقوس الدفن تشمل عدة خطوات طقسية، حيث يبدأ الموكب الجنائزي بتلاوة الأدعية، ثم تتم عملية فتح الفم، وهي طقوس تهدف إلى إعادة الحيوية للميت، ليتسنى له تناول الطعام في العالم الآخر. يقوم الكهنة بقراءة الأدعية وتقديم القرابين لضمان رضا الآلهة وحماية الروح.
دور الآلهة في الحياة الأخرى
لعبت الآلهة دوراً محورياً في حياة المصريين بعد الموت، حيث كان للإله “أنوبيس” دوراً بارزاً في التحنيط، فيما يُحكم على المتوفى أمام الإله “أوزيريس” في محكمة الموتى، حيث توزن “قلب” الميت مقابل “ريشة ماعت” رمز الحق والعدالة. إذا كانت الروح نقية، ينتقل إلى الحياة الأبدية، وإذا كانت ثقيلة بالخطيئة، يعاقب بحرمانه من الخلود.
حضارة خالدة
جسّدت عادات الدفن والتحنيط عمق العقيدة المصرية القديمة في الخلود، وقدرتهم الفنية والعلمية التي تفوقت عبر العصور.
وبهذا الإرث العظيم، تبقى مومياواتهم وآثارهم شاهدة على حضارة عريقة ومستمرة تروي للعالم أجمع قصة إيمان المصريين الأبدية بالحياة والموت.