حوار / حاتم عبدالهادي السيد
حسين دعسة؛ قاص وروائى أردنى ؛ المستشار الإعلامى السابق لوزير الثقافة الأردنية ؛ ويعمل حالياً رئيساً لتحرير ” جريدة الرأى ” الأردنية؛ حاز بكالوريوس الدراسات الإنسانية والتربوية من الجامعة الأردنية؛ ودبلوم الوثائق والمخطوطات العربية من المجلس الدولى للوثائق بباريس؛ كما عمل خبيراً للثقافة السمعية والبصرية في مجال السينما التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس؛ كما كان موفداً للجنة الأردنية لإنقاذ التراث الثقافى في العراق.
قدم للمكتبة العربية عدة كتب ومجموعات قصصية ؛ وروايات منها : ” أسطورة البلقاء 2001م؛ ” دليل المؤسسات الثقافية في الأردن 1995م؛ متصوفة الفن والجمال 1995م؛ ” فخر النساء زيد 1994م؛ ” الحياة مع السينما 1994م؛ ” في الإتجاه الصحيح”– مشترك – 1987م؛ ” حوار الفن التشكيلى 1995م؛ ” دراسات عن السينما الفلسطينية” 1995م؛ ” الشاهد الوحيد – مجموعة قصصية – مطبوعات الكرمل بفلسطين 1989م؛ كما له عدة روايات منها :” رواية خارج اللوتس”؛ ” أعشاب المخيم”؛ ” بيت خضرة ” وقد نشرت مسلسلة بجريدة الرأى الأردنية . كما نشر ابداعاته القصصية بالصحف والمجلات العربية .
– بداية ؛ تمثل الأردن حاضنة للثقافة العربية كونها جغرافيا تنتصف بحسب الجغرافيا الدول العربية؛ وتجاور فلسطين؛ وفى هذه المنطقة التى تمور بالتحولات.
اسألك عن كيفية أن يكتب المبدع خلال هذه الأجواء؛ وهل تؤثر عليه الأحداث الداخلية والمشتركات الإقليمية ؛ ونحن نرى أغلب اعمالك القصصية تتحدث عن فلسطين وقضايا العروبة ؛ والحلم العربى المشترك ؟
– عاشت المنطقة أحداثاً إقليمية متباينة في قدرتها على مواكبة الحياة الثقافية والفكرة، عدا عن الحياة السياسية والتربوية.
– في ذاكرة المنطقة، هذا الصراع السياسي الذي فرض على كل البلاد العربية والإسلامية في بلاد الشام والمغرب العربي ومصر وشمال إفريقيا، وصولا إلى كتاب الشتات والهجر، فقد عايش الفعل الثقافي، الحدث السياسي، بل واشتغلنا كفاعلين في الحياة العامة، تربويا واعلامي وابداع يا، فقد كان على المثقف دوره العضوي في دعم قدرات المجتمع في ظل استشراء النظرة الاستعمارية في المنطقة، كنوع من العودة إلى ما نسمية، ظاهريا وعمليا:”عودة الاستعمار الاستشراقي” بدلالة الولايات الفكرية والتربوية ومحاولات التغلغل في نسيج المؤسسة الثقافية والاعلامية وحتى البنى السياسية.
كمثقف، كان فعل الالتحام مع الأجيال المتوالية منذ نكبة فلسطين، مرحلة مهمة لإعادة تعزيز الثقة بالإنسان، بالمتواليات التي خلقت وابدعت جدل الوطنية والقومية والالتزام بمفاهيم البنية الثقافية المعززة،التي عملت على حماية المجتمع من أشكال الغزو الفكري والسياسي، وفوضى المعايير التربوية والأخلاقية.
– عملت مستشاراً اعلامياً لوزير الثقافة بالأردن وتعددت مشغولياتك واهتماماتك الإعلامية فهل – في نظرك – يؤثر الإعلام على المبدع؛ أم أنه نافذة للإنطلاق في عالم الأضواء والشهرة؟!
– هناك علاقة بين العملية الإبداعي والحياة الثقافية والاعلامية، وتحديدا في مجالات الإدارة الثقافية واشتباكها وتواصلها مع الحركة الاعلامية، بكل أشكالها ووسائلها، وتحولاتها الرقمية، فمنذ بدئ مأسسة العمل الثقافي، اجترحنا مفاهيم السياسات الاجتماعية الثقافية، التي انعكست على الفعل الإبداعي، بالتوازي مع الواقع وتنمية المبدع ثقافيا، ليكون مديرا لفعله الثقافي، وانطنا مهمات ترويج العمل الإبداعي للمؤسسات التي تعني بالترويج الاعلامي، مع الحفاظ على حساسية العمل الإبداعي وقيمته.
للإبداع قدرة جبارة تصلنا الي تحقيق رؤية مختلفة، كان لا بد من الاستفادة من انشغالي في مثلث الإعلام والادارة الثقافية والعمل الإبداعي، سواء في الرسم والفنون التشكيلية او الرواية او القصة، وحتى في الكتابة الاحترافية في المقال السياسي،وهي إنشغالات متماسكة عندي، بمعنى لا اقتراب بين الاعلامي والمثقف، إلا بحدود حيوية العمل وحساسيتة…
عموما، اقتراب المبدع من الإدارة الثقافية ضرورة لحماية الإبداع؛ذلك أن المؤسسة الثقافية، لها ترابية إبداعية وإدارة، تحتاج إلى شخصية ثقافية تسيير أعمالها، وتنقل أفكارها.للمثقف حق التأسيس للواقع والبنية التي يشتغل فيها وينطلق منها.
– كيف ترى ذاتك كمحامٍ عن القضية الفلسطينية في كتاباتك؟ أم أنك تجسد مأزومية القضية لتعيد الإلتفات إليها بعد امتلاء الساحة العربية بقضايا وحروب ومشاكل شرق أوسطية بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربى ؟.
من الوعي، القول ان عالمنا يعيش تراكم خطير جدا من الأزمات والحروب والتكتلات،، ليس اصعبها القضية الفلسطينية، فمنذ اكثر ٧٥ عاما، كانت الأرض الفلسطينية المحتلة، حالة عربية، عالمية، انسانية، لها كقضية سياسية،اممية أبعادها الاجتماعية والقانونية، وهي قضية كل مثقف جاد، وعلى تماس مع صوت الشعوب الحرة، فنحن ككتاب من فلسطين الأصل،أو من أي مكان عربي أو عالمي، لا نقل في التزامنا بمن يكتب في-ومن داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
نحن بحاجة اي عودة الذاكرة الوطنية القومية، التي كان لها دورها الأساس في جميع مراحل ما ظهر واشتعل من كل أشكال الالتزام الوطني عبر الحراكات الشعبية التي صبت في نهاية المطاف أمام العالم حيثيات القضية الدولية الكبرى،قضية فلسطين الأرض والشعب الاثيرة على مفكرة الاجيال، إلى حد اصبحت القضية، قضية تتخاطفها اهواء الأمم والمؤسسات الأممية وجامعة الدول العربية وغيرها،تحاول صهر الواقع مع تفكير “المثقف ن” في سعيهم لبناء نظرية المقاومة، أو التحدي والاستجابة.
من هنا، اكتب عن حالات من ويلات اللجؤ والشتات والعيش في المخيمات، من واقع وذاكرة ما زال العالم يشهدها.
في فلسطين، وربما في تاريخ مشاركتها الإبداعية مع البشرية، هناك مستقبل الوعي، واستشراف المستقبل، الذي لسهمنادبه، ونقتفي أثر كبار في أرواحهم المبدعة أمثال جبرا ابراهيم جبرا، اميل حبيبي، محمود درويش، سميح القاسم، فدوى طوقان، سحر خليفة، بشرى ابو شرار، ماجد ابو شرار، غسان كنفاني، مصطفى أبو علي… وغيرهم. ممن يجب أن يكون اثرهم، على صورة توفر الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس المحتلة.. ولا تهاون بكل أوقاف، و وآية القدس، بعيدا عن الرواية الصهيونية.
– لماذا انزوت القصة العربية أمام الرواية التى أطلق عليها ” ديوان العرب” وأصبحت تتصدر المشهد العربى؛ بل والعالمى ؟ وهل هناك أمل في عودة الصدارة لها في ظل أزمة الوعى؛ أم أنها لن تعود من جديد ؟
– بما افكر، ومن خلال دراسات نقدية، من هذا المنطلق النقدي، اجدني مع نظريات مغايرة لما يفكر به بعض الكتاب.، لاقف في مواجهة” ضد” فكرة سيادة نوع ادبي على اخر!
من يتحكم في سوق الإبداع شركات ومؤسسات لها ادورها في تكفين” نوع ادبي” على حساب آخر، لاعتبارات تتعلق بالنشر وتسويق وتوزيع وجوائز.
اعتقد، القصة بخير مثلما الرواية، وايضا المسرحية والشعر،، لكن هناك معضلة مختلفة عند جيل الشباب، وهم الذين أصبحت ميولهم في القراءة عجيبة غريبة، وهذا يعود لنشوة قراءة الأعمال البوليسية او الخيال العلمي او الاديان، وهذا لا ينفي ان لميولهم، ضائقة ابداعية تخضع لطبيعة العمل الثقافي ورعاية الإبداع في اي بلد عربي أو إسلامي، وهي غالبا طبيعة متغيرة سلطوية، تتحكم في اوعية الثقافة والمؤسسات التي تعمل على رعاية الثقافة الجماهيرية في بلدانهم.
– في مجموعتك القصصية ” الشاهد الوحيد ” كيف تكون شاهداً على مأزومية ضياع الحلم العربى؛ وكان المنوط بك أن تكون التنويرى الذى يوجه الرأى العام العربى بإعتبارك أحد الكتاب الذين لديهم مشروع قومى؛ وعروبى ممتد عبر كتاباتك ومقالاتك في جريدة الرأى التى تتشارك في إدارة التحرير، كذلك ؟
– عندما كتبت هذه المجموعة، وضعت كمخطوطة، للعديد من قصصي التي كنت فيها مواكبا، مشاركات، شاهدا على أحداث سياسية وفكرية مرت بها البلاد العربية والإسلامية، على هامش أزمات وحروب متباينة تركت ندوبهازفي ذاكرة كل الشعوب، هنا القصة القصيرة تتبادل الأدوار مع هامش الحرية وتحاكم سلطة عودة الاحتلال الغربي لبلادنا عبر الوسائط الناعمة في الثقافة والاعلام، وحتى في نتائج ما نكتب، بحيث ابرزت المخطوطة مسارات ان تدخل في أواني مستطرقة لتكون هذا الشاهد الوحيد على صورة وحقيقة ما حدث في العراق وليبيا والاغراض الفلسطينية المحتلة، وسوريا وغير ذلك من الصراع الفكري، لشخصيات تحاول أن تخرج من أزماتها.
– في رواياتك الثلاثة وخاصة ” اعشاب المخيم ” تطرح الكثير من المواقف والرؤى التى عبرت عنها في كتاباتك القصصية فهل منوط بالكاتب ان يعيد تكرار ما كتبه؟ أم أنك تؤكد على القيم العامة؛ وتنادى بأنه لابد للكاتب ان يكون لديه مشروعه الإبداعى غير المنفصل عن شكل كتاباته ؟ .
– أعشاب المخيم، رواية أولى، كتبت ما بين عمان وبغداد، وكتب لها تقدمة الشاعر والروائي العراقي الراحل يوسف الصائغ، وهي تقوم على ثلاثة أجيال عاشت بين الساحل الفلسطيني الذي تعرض لنكبة، تركت آثارها على وضع كل فلسطين المحتلة، وجيل اخر يعيش الشتات والهجرة بين اكثر من بلد، منها العراق ولبنان وأوروبا، وجيل ثالث يعيش حلم العودة، فاقدا بوصلة النجاة.
– الرواية ممتدة، تتراكم فيها الشخصيات على هامش أزمات لا حل لها إلا بالبحث عن منطق وخيارات الترحال، وبالتالي الموت بعيدا عن الأوطان. …
– في روايتك ” بيت خضرة ” التى نشرتها – على غير العادة – مسلسلة في جريدة الرأى بالأردن؛ وهو نهج قديم كانت تستخدمه بعض بلدان الشام والعراق ؛ وقد بدأ أولاً عبر الصحافة المصرية؛ في جريدة الأهرام وغيرها نشر روايات نجيب محفوظ ويوسف ادريس ومحمد عبدالحليم عبدالله وغيرهم؛ فهل قصدت اعادة اعتبارية ” للقصص المسلسلة” أم أردت أن تصل لكل القراء حتى منازلهم من خلال الصحيفة الأكثر انتشاراً من الكتاب الورقى ؟
بيت خضرة المحمد، رواية نشرت منجمة في أكثر من صحيفة، منها جريدة الرأي الأردنية، طبعة جريدة الرأي في القدس، جريدة القدس العربي، وهي سيرة تواكب شخصية تلتقط قوت يومها من صراع عائلة السيدة خضرة المحمد، انسانة تتزوج في عمر طفلة، ١٤ عاما، تترك العابها وبيارات أهلها لتتزوج ابن عمها، ويواكب مسارات حياتها معاناة الهجرة، لتبدأ في فقد أفراد اسرتها وسط، بيئة فقيرة، تنهض على العمل في مهن ومهام صعبة، إلى أن يبدأ اولاد بيت خضرة بالالتحاقزفي الكفاح المسلح والعمل الدائري منذ ستينات القرن الماضي وحتى أزمة الحرب الأهلية والغزو الاسرائيلي لجنوب لبنان في ١٩٨٢، وضياع الابن البكر لخضرة المحمد في إحدى المستشفيات بعد الغزو، فاقدها للذاكرة.
ما شجعني على نشر الرواية مسلسلك، ان مشروع “كتاب في جريدة” الذي عملت على دعمة اليونسكو، حقق تحولادفي علاقة الأدب، والسرد يأت والشعر والصحافة والاعلام، وفعلا، بدأت انا شخصيا مشروعي في نشر عديد الروايات المتسلسلة عبر نشرها برسوم ولوحات كنت ارسمها خصيصا من اجواء الروايات، وبذلك فتحنا بوابة لتلاقح الجماليات التشكيلية مع السرديات، ومن هذه الأعمال قدمت روايات للروائي الليبي ابراهيم الكوني، والروائي المصري محمود الورداني، والروائي الأردني مؤنس الرزاز وغيرهم.
..
– هل ترى أن القصة القصيرة قادرة على حمل هموم الوطن ؟ وما موقفك من الأشكال الجديدة كالقصة القصيرة جداً ؛ القصة الومضة أو الإبيجرامات؛ والقصة الشاعرة ؛ وغير ذلك ؟
في إبداع القصة القصيرة، حالة من اعلاء، واستمرارية لما كان وما زال حاضر ومستقبل الكتابة الإبداعية السردية.
القصة القصيرة، ادب رفيع، واكب تحولات الحضارات والمجتمع آت والبيئات المتباينة، فمنذ كان السرد الحكائي شفاهي، والي اوائل الكتب والمخطوطات، كانت القصة، هي سيدة معالجة حال الناس والأرض والاوطان، وسياق الكتابة بتكويناتها وبنيته وجدلها اليومي مع الحياة، هي قصص تنبض بهموم الوطن، والمجتمع، تعيش شخصيات انسانية تتمسك بالأرض والحب والجمال، لهذا فالقصة القصيرة، بكل تحولات ها وأشكاله، هي من أساسيات السرد في التراث البشري عامة.
قطعا ما زلنا نختلف حول تطور الأشكال الأدبية والسرية، وهذا الأمر يظهر في القصة القصيرة جدا، والومضة… الخ.
اعتقد اننا بحاجة إلى فهم جاد لعملية التحول من شروط القصة القصيرة، إلى الومضة وهذا السرد المكثف، الذي يمتلك شاعرية ومصفوفة فلسفية تختزل الكثير، ذلك هو مستقبل الكتابة.
هذا الأمر لا يقلل من أهمية كتاب القصة في كل البلاد العربية وبالذات في مصر، فقد كانت التجارب الأدبية ومواكبة حركة النقد لها، من أهم مفاتيح سيادة السرديات في قرانها من القراء.
– هل تظن أنك قدمت حسين دعسة كما يجب؟ أم أنه لازال لديك الكثير مما لم تقدمه بعد ؟
– في كراسات اي شخصية أدبية او إعلامية، حراك ثقافي صاخب، لهذا فالصورة هنا، تعانق مرايا حسين دعسة التي تحتفظ بكل متغيرات العمل الإبداعي،.. ادعكم من تلك المرايا، لا تحولوا كسرها ففيها قوى من صميم قضايا واكبناها، لنقف، حسين دعسة وجميع القراء على مسافة واحدة من الحرية والحب والجمال، تلك المسافة الجدل، أو قدرتنا على صياغة مشروعنا الثقافي الفكري..
– عشت اشترك مع شخصيتي، صورتي، تلك المرايا، واقفا بعماد وباحثا عن الانجاز والتغير، فقدمت مجموعة مهمة من الدراسات النقدية في الأدب والفنون التشكيلية والسينما، مثلما أقف ناظرا على تحولات العالم الرقمي نركن لها لأنها “ممكن المستقبل” في قيمته :الثقافية والفكرية والاجتماعية.