الديوانية: تراث كويتي أصيل وحاضنة اجتماعية متجددة
الديوانية تعد جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الكويتية، وتمثل رمزاً اجتماعياً يجمع الأهل والأصدقاء والجيران في فضاء خاص مفعم بالتواصل والتلاحم. البيت الكويتي التقليدي عادةً ما يتكون من ساحة واحدة، لكن الأسر المقتدرة تخصص مساحة منفصلة أو غرفة خاصة يُطلق عليها “ديوانية”. هذه الغرفة تكون منفصلة أو منعزلة عن باقي المنزل، لتكون بمثابة مكان عام لاستقبال الضيوف وعقد اللقاءات الاجتماعية في أوقات الفراغ.
تظل بوابات الديوانية مفتوحة طوال اليوم لاستقبال الزوار، وتفضي هذه البوابات إلى ممرات تتناثر على جانبيها مقاعد مريحة للاستراحة والانتظار. كما أن بعض الديوانيات تضم مضيفًا لمن يحتاج إلى قضاء ليلة أو أكثر، خاصة إذا كان الزوار من الخارج. أما تلك الديوانيات التي تطل على الساحل، فيتمتع ضيوفها بنسمات البحر العليلة، خاصة خلال فصل الصيف، حيث تعد هذه الجلسات الصيفية سمة مميزة لديوانيات شارع الخليج التي لا تزال تستقبل الزوار كما كانت في الماضي.
يعد المجلس الرئيسي في الديوانية، المعروف بـ”ديوان”، القلب النابض لهذه الجلسات. يطل الديوان على الساحة الداخلية، ويتميز بتصميمه المريح الذي يرحب بالزوار، إذ تتناثر الوسائد المصطفة بعناية لتكون مقاعد ومساند للأذرع. أما الأرضية، فتزينها قطع السجاد الفارسي المعقود بألوانه الزاهية التي تضيف لمسة من الفخامة.
من أبرز رموز الديوانية أدوات تحضير القهوة، حيث تعبق رائحة القهوة المخلوطة بالهيل في أرجاء المكان. تحضير القهوة يتم بعناية فائقة، حيث توضع على موقد خاص في زاوية من الديوان أو في غرفة صغيرة مخصصة. ويتولى صاحب الديوانية بنفسه مهمة إعداد القهوة لضيوفه، أو يعين عاملًا مختصًا لهذا الغرض. الأدوات تشمل “الدلال”، وهي أباريق نحاسية متدرجة الأحجام ذات أغطية ومقابض طويلة ومعكوفة، تُستخدم لتقديم القهوة في أكواب صغيرة من الخزف.
في حين كانت الديوانية مجرد مكان للقاءات الاجتماعية قديماً، فإنها اليوم تحولت إلى جزء لا يتجزأ من الحياة السياسية والاقتصادية في الكويت. لقد زادت أعداد الديوانيات بشكل كبير حتى أصبح من الممكن العثور على ديوانية أو أكثر في كل شارع. بعض الديوانيات تفتح أبوابها يومياً، بينما تفتح أخرى مرة أو مرتين أسبوعياً، وأخرى تفتح فقط في المناسبات. الديوانيات اليوم أصبحت شبيهة بالنوادي الاجتماعية والمنتديات الثقافية وصالونات السياسة، وأصبحت أيضاً مؤسسات فاعلة في المجتمع المدني تلعب دوراً محورياً في الحياة الديمقراطية، حيث باتت مرجعاً للكثير من القرارات المؤثرة.
ومع مرور الزمن، تطورت الديوانيات لتواكب التغيرات العصرية، حيث باتت مزودة بأحدث التقنيات مثل التلفزيونات وأجهزة الكمبيوتر والراديو والتليفونات. بعض الديوانيات الحديثة لديها أهداف محددة مثل الرياضة أو السياسة أو الاقتصاد، وتضع جداول محددة للأنشطة وتعلن عن مواضيع النقاش قبل موعد الاستقبال. أما الديوانيات الثقافية، فقد أصبحت صالونات أدبية وفكرية تستقطب المهتمين من جميع الفئات. ومن الطريف أن نرى ظهور “الديوانيات النسائية”، التي لم تقتصر على النساء فقط بل استقطبت أيضًا الزوار من الجنسين الذين يتشاركون نفس الاهتمامات والأنشطة.
الديوانية إذن لم تعد مجرد مكان للقاء، بل أصبحت فضاءً نابضاً بالحياة يجمع بين التراث والتطور ويلعب دورًا مهمًا في صياغة ملامح الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الكويت.