قصر الحمراء: جوهرة الأندلس ودرّة الفن المعماري الإسلامي
يُعد قصر الحمراء، الذي شيده بنو الأحمر في القرن السابع الهجري، نموذجًا فاخرًا يعكس عظمة قصور ملوك الأندلس. تنوعت الروايات حول أصل تسميته، إذ يُقال إنه سُمي بهذا الاسم نسبة إلى التربة الحمراء التي أُقيم عليها، بينما أشار آخرون إلى أن جزءًا من القلاع المجاورة للقصر كان يُعرف باسم المدينة الحمراء.
تاريخ قصر الحمراء
يتألف قصر الحمراء من ثلاثة أقسام رئيسية، أولها “المشور”، وهو المكان الذي كان الملك يعقد فيه مجلسه ويُدير شؤون الدولة ويستمع إلى مظالم الرعية. أما القسم الثاني، فهو مخصص للاستقبالات الرسمية ويضم الديوان وقاعة العرش. والقسم الثالث هو قسم الحريم، حيث تتواجد المساكن الخاصة بالملوك وأسرهم.
من أبرز معالم قصر الحمراء وأبدع أجزائه هو حوش الريحان، الذي تطل على فُسقيته قاعة العدل وقاعة السفراء الموجودة في برج قمارش. ويعد صحن السباع من الأجزاء المتصلة بحوش الريحان، حيث تتوسطه فسقية رخامية تتألف من عدة أحواض، أكبرها محمول على تماثيل سباع رخامية يبلغ عددها اثني عشر. على الرغم من أن هذه التماثيل لم تكن مصممة بدقة تامة من الطبيعة، فإنها تمثل فلسفة الفن الإسلامي الذي كان يميل إلى تجنب التصوير الدقيق للكائنات الحية.
يمتاز الصحن بتقسيمه إلى أربع مناطق، مغطاة بالرمل وتفصلها لوحات رخامية، ويبلغ طوله نحو 28 مترًا وعرضه 16 مترًا. تحيط بالصحن بوائك ذات عقود تامة الدائرة تحمل نقوشًا بديعة، وتقوم هذه البوائك على أعمدة رشيقة وُضعت بتنسيق دقيق؛ أحيانًا اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، وتُظهر هذه الأعمدة ثروة زخرفية تعكس براعة الإبداع الفني. ومن المعالم الأخرى المتصلة بالصحن، قاعة الأختين وقاعة بني سراج، اللتان تتميزان بزخارف المقرنصات والنقوش النباتية والكتابات العربية الفريدة.
يحتوي قصر الحمراء على العديد من الأجزاء الطريفة التي تضفي عليه طابعًا خاصًا، ومنها المسجد الصغير والحمام. يتميز المسجد بتصميمه وزخارفه المشابهة لسائر أجزاء القصر. أما الحمام، فيحتوي على غرفة أولى بها مسطبتان رخاميتان تتوسطهما فسقية رخامية محاطة بأربعة أعمدة من المرمر، تحمل سقفًا ذا شرفات في الطابق العلوي. تزين النقوش المذهبة والجصية هذه القاعة، بينما تتميز قاعة الحمام الداخلية ببساطة زخارفها وقبتها الجصية التي تحتوي على فتحات زجاجية تسمح بدخول الضوء.
من بين أفخم أجزاء القصر قاعة السفراء، التي تعتبر تحفة فنية تعكس إبداع الطراز المغربي في جدرانها ونوافذها، وكذلك في قبتها الخشبية المزخرفة بنقوش مذهبة. ورغم جمال التصميم والزخارف في قصر الحمراء، إلا أن بعض أجزائه بُنيت على مراحل متفرقة، مما يجعله يبدو غير متجانس في تصميمه الكلي. ونتيجة لهذا، غلب على القصر الطابع الزخرفي الفخم بدلاً من التركيز على متانة البناء، الأمر الذي أدى إلى تهدم بعض أجزائه وإعادة إصلاحها في مراحل لاحقة.
يشكل قصر الحمراء رمزًا للفن الإسلامي وأحد أهم الشواهد على عظمة الحضارة الأندلسية، ولا يزال يستقطب الأنظار لجمال تفاصيله المعمارية وروعة زخارفه الفريدة التي تعكس تاريخًا ممتدًا من العظمة والفن الراقي.