إثيوبيا وسد النهضة: محاولات فرض الأمر الواقع ومخاطر على الأمن الإقليمي
أثار الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، جدلاً واسعاً بشأن التصريحات الإثيوبية الأخيرة حول اكتمال بناء سد النهضة. اعتبر مهران أن هذه التصريحات تمثل محاولة جديدة من إثيوبيا لفرض أمر واقع، وهو أسلوب متكرر يهدف إلى تحقيق أهداف أحادية دون اعتبار للتعاون الإقليمي. وأوضح أن التنمية الحقيقية لا تتحقق بإجراءات منفردة، بل من خلال التعاون بين الدول لتحقيق التقدم المشترك.
نزاعات سد النهضة وتحولها إلى “حروب المياه”
وأشار مهران إلى أن قضية سد النهضة تتجاوز كونها نزاعاً إقليمياً بين دول حوض النيل، مؤكداً أنها أصبحت نموذجاً للصراعات التي يمكن تصنيفها كـ “حروب المياه”. هذه النزاعات تتطلب تطويراً شاملاً في الفكر القانوني الدولي، وذلك لضمان التعامل مع القضايا المتعلقة بالموارد المائية بشكل فعال ومنصف. وشدد على أن الوضع الحالي يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الخاص بالمياه، وهو ما يتطلب تحركاً قانونياً على المستوى الدولي.
تهديدات الأمن المائي وأبعاد الأزمة الإنسانية
وأضاف الخبير الدولي أن سد النهضة يشكل تهديداً مباشراً للأمن المائي في كل من مصر والسودان، وأن التأثيرات السلبية تمتد لتشمل الأمن الإقليمي بأسره. ولفت الانتباه إلى أن تهديد حياة الملايين من المصريين والسودانيين من خلال تقليص حصصهم المائية قد يُصنف كجريمة ضد الإنسانية. وأوضح أن استمرار إثيوبيا في هذه السياسة قد يؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة في المنطقة، ما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل التوصل إلى حل دبلوماسي أكثر صعوبة.
استراتيجية متعددة المسارات لحماية الحقوق المائية
واقترح مهران استراتيجية شاملة تعتمد على تفعيل دور مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك المطالبة بعقد جلسة طارئة لبحث الأزمة واتخاذ قرارات ملزمة، تتضمن فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إثيوبيا. كما أكد على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية في المحافل الدولية، وبالأخص في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لحشد تأييد واسع للحقوق المائية لدولتي المصب.
وأشار أيضاً إلى أهمية الضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول شرعية التصرفات الإثيوبية الأحادية. كما دعا إلى تفعيل حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن اكتمال بناء السد وبدء تشغيله الكامل لا يعني نهاية الأزمة، بل قد يظل يشكل تهديداً مستمراً ما لم يتم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بين الأطراف المعنية.
أحدث التطورات في سد النهضة وتدفق مياه النيل الأزرق
من جهته، أوضح الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن إثيوبيا فتحت بوابات المفيض العلوية لسد النهضة للمرة الثانية في 5 سبتمبر 2024، بعد أن كانت المرة الأولى في 24 أغسطس الماضي لمدة أربعة أيام. وأضاف أن متوسط تدفق مياه النيل الأزرق حالياً يبلغ حوالي 250 مليون متر مكعب يومياً، بينما يصل الإيراد المائي عند سد النهضة إلى حوالي 400 مليون متر مكعب يومياً.
وأشار شراقي إلى أن منسوب بحيرة سد النهضة يرتفع بمتوسط عدة سنتيمترات يومياً، حيث زاد منسوبها بمقدار 25 سم خلال الأيام الخمسة الأخيرة. وتوقع أن تصل المياه إلى السد العالي في مصر بنهاية الأسبوع القادم، ما يجعل هذه التطورات محل اهتمام كبير نظراً لتأثيرها المحتمل على الموارد المائية لمصر والسودان.
تبقى قضية سد النهضة محوراً أساسياً للنقاش الإقليمي والدولي، حيث تتشابك فيها المصالح الحيوية لدول حوض النيل مع التحديات القانونية والإنسانية. ومع استمرار إثيوبيا في سياساتها الأحادية، تزداد الحاجة إلى تحرك دبلوماسي وقانوني حاسم لضمان حماية حقوق الشعوب في مياه النيل، وتجنيب المنطقة المزيد من الأزمات.