صراع العشائر الكردية: السورجي وبارزان… تاريخ طويل من الدماء والتوتر
عشيرة السورجي تُعد من أكبر العشائر الكردية التي تنتشر ديارها في منطقة جبل عقرة، التي تمتد شمالاً من سلسلة جبل حرير وشرقاً وجنوباً نحو نهر الزاب الكبير. يقيم زعماء العشيرة في قرية بجيل الواقعة على بعد 20 كيلومتر شرق عقرة، وهم أتباع الطريقة النقشبندية، تمامًا مثل جيرانهم من شيوخ بارزان. يفصل بين القبيلتين نهر الزاب وجبل قريشو، وكان هناك انسجام بين الطرفين في البداية نتيجة المصاهرة، حيث تزوج الشيخ محمد بن الشيخ عبد السلام الأول من ابنة عبد الصمد، شقيق شيخ السورجية محمد السورجي. هذا الزواج ساهم في توطيد العلاقات بين القبيلتين، فضلاً عن انتمائهما إلى نفس الطريقة الدينية.
صراع العشائر الكردية:
لكن في عام 1890، تحول هذا التحالف إلى نزاع دموي إثر حادثة خطف زوجة أحد أغوات عشيرة الكوران من قبل محمد حافظ السورجي، وهو ما أدى إلى تدخل أتباع الشيخ محمد البارزاني الذين قتلوه ردًا على طلب عشيرة الكوران باستعادة حقها. تلك الحادثة أشعلت صراعاً مفتوحاً بين القبيلتين، حيث شنت كل منهما هجمات دموية على قرى الأخرى، وسقط العديد من القتلى من الجانبين.
القنصل الروسي باسيل نيكيتين أشار إلى هذا النزاع في كتابه “الكرد: دراسة سوسيولوجية وتاريخية”، موضحًا كيف تصدرت المصالح العشائرية المشهد على حساب الاعتبارات الدينية. وفي أحد الحوارات بين الشيخ محمد السورجي والشيخ محمد صديق نهري الذي حاول فض النزاع، أظهر الشيخ السورجي عدم رغبته في الانسحاب من الصراع بسبب ما اعتبره إهانة ومذلة تعرضت لها عشيرته على يد البارزانيين. تحدث عن تجاوزات شنيعة، مثل تدنيس الأماكن المقدسة وقطع آذان نساءه للاستيلاء على مجوهراتهن، مشيراً إلى أن مصالح العشائر تجاوزت كل الاعتبارات الأخرى.
لم ينته الصراع هنا، فقد استمرت آثاره حتى نهاية القرن العشرين، وتحديداً في عام 1996، حين شن أتباع حزب بارزاني هجومًا على قرية كلكين في ناحية حرير، حيث قتلوا حسين آغا السورجي زعيم السورجيين السورانيين، إلى جانب العديد من أبناء عشيرته. وعلى الرغم من أن تلك القرية كانت قد احتضنت أول اجتماع للجبهة الكردستانية بعد انتفاضة 1991، فإن الهجوم أدى إلى تدمير بيوت العشيرة ونهب ممتلكاتهم. الكاتب نجاة عمر خضر السورجي أشار في كتاباته إلى أن روح الانتقام والخيانة كانت دوماً تطغى على القيادة البارزانية، ما أدى إلى تصفية العديد من الزعماء الكرد المخلصين على أيديهم.
هذا التاريخ المليء بالتوتر والصراعات يُظهر مدى عمق الجروح التي خلفتها تلك الأحداث في ذاكرة العشائر الكردية، وهو ما لا يزال تأثيره حاضرًا حتى اليوم في العلاقات القبلية والسياسية.