معبد أوراكل آمون: سر التنبؤات وملتقى الحضارات في واحة سيوة

أسماء صبحي
واحة سيوة، تلك الجوهرة الخضراء في قلب الصحراء الغربية المصرية. تخبئ بين كثبانها وأسوارها الطينية أحد أكثر المواقع التاريخية غموضًا وسحرًا وهو معبد أوراكل آمون. ويعد هذا المعبد رمزًا للحكمة والقوة الروحية، ومقصدًا للملوك والقادة الباحثين عن البصيرة الإلهية قبل اتخاذ قرارات مصيرية.
وفي هذا المقال، نستكشف تاريخ المعبد، هندسته المعمارية، الأساطير التي نسجت حوله، وأهمية الجهود الحديثة للحفاظ عليه.
تاريخ معبد أوراكل آمون
تأسس المعبد في القرن السادس قبل الميلاد خلال حكم الأسرة السادسة والعشرين التي عرفت باسم العصر الصاوي. وفي تلك الفترة، كان الإله آمون يعبد باعتباره إله الشمس والخلق. كما كان يعتقد أن كهنته يمتلكون القدرة على التنبؤ بمصائر البشر.
لكن المعبد بلغ ذروة شهرته عندما زاره الإسكندر الأكبر عام 331 ق.م، بعد أن فتح مصر وحررها من الحكم الفارسي. وأراد الإسكندر أن يحصل على مباركة الإله آمون، ليرسّخ شرعيته كفرعون مصر. كما يقال إن الكهنة استقبلوه بترحاب، وأعلنوا أنه ابن آمون، وهو ما عزز مكانته الإلهية في عيون أتباعه.
وتشير بعض الروايات إلى أن الإسكندر كان يفكر في أن يدفن في سيوة. ورغم أن مكان قبره الحقيقي لا يزال لغزًا يحيّر العلماء حتى اليوم.
الهندسة المعمارية
يقع المعبد على هضبة مرتفعة تعرف باسم أغورمي، ما يمنحه إطلالة بانورامية على الواحة والمناطق المحيطة. وبني المعبد من الحجر الجيري المحلي، واستخدم الطوب اللبن في بعض الأجزاء. ورغم مرور أكثر من 2500 عام، لا تزال أجزاء من المعبد قائمة، مثل:
- القاعة المقدسة، التي كان يعتقد أنها المكان الذي يتلقى فيه الكهنة الوحي الإلهي.
- الدهاليز السرية، التي يرجح أنها كانت تستخدم لتنقل الكهنة بسرية خلال الطقوس.
- الجدران المزينة بالنقوش، والتي تصور مشاهد دينية، مثل قرابين تقدم لآمون، وأشخاص يتضرعون للإله طلبًا للحكمة.
الأساطير والطقوس
ارتبط معبد أوراكل آمون بالعديد من الأساطير التي أضفت عليه هالة من الغموض. كما كان يعتقد أن الكهنة يمتلكون القدرة على التواصل مع الإله آمون، وأنهم كانوا يُلقون التنبؤات من خلال أصوات غامضة تصدر من داخل المعبد.
وتشير بعض الحكايات إلى أن التنبؤات كانت تنقل بصوت مُنخفض عبر فتحات مخفية في الجدران. مما جعل الزائرين يعتقدون أنهم يسمعون صوت الإله نفسه. وجعلت هذه الطقوس المعبد وجهة للملوك والمغامرين من مختلف الحضارات، مثل القائد الروماني سيبتيموس سيفيروس الذي يقال إنه استشار الأوراكل قبل غزواته العسكرية.
ويقول الدكتور أحمد منصور، الباحث في علم الآثار المصرية القديمة، إن معبد أوراكل آمون ليس مجرد معبد، بل هو رمز للتفاعل الثقافي بين الحضارات القديمة. كما تعكس زيارات الإسكندر الأكبر وغيرهم من الشخصيات التاريخية مدى تأثير هذا المكان على القرارات الكبرى في العالم القديم.
ومن جهته، يرى المؤرخ سامي الجمال، أن واحة سيوة بأكملها يمكن أن تتحول إلى مركز سياحي عالمي إذا تم الترويج لها بشكل صحيح. وتابع: “سيوة ليست فقط معبد أوراكل. هناك معالم أخرى مثل جبل الموتى وقلعة شالي. كما يمكن للترويج لهذه المواقع أن يعيد سيوة إلى دائرة الضوء كواحدة من أهم الوجهات السياحية في مصر”.