المزيد

يعقوب بن محمد بن غنيم الرحبي يكتب: غزة وطيور الحذر

 

لم نر عبر التاريخ  بطولات نعتز ونفتخُر بها  يُسجلها ويٌرسم  واقعها شعبٌ يُشاركُ فيه بكل أطيافه الرجلُ والمرأة والطفلُ والشيخُ ويُسجلُ ملحمة وطنية دفاعاَ عن أرضة وعرضه كالفلسطينيين الغزاويين وغيرهم من أبطال المقاومة الشريفة والمناضلين، صمودهمُ الأسطوريُ الذي رسموا من خلاله معالمُ العزة والفخر للأمةِ العربيةِ ،هو انتصارُ الحق على الباطل والعدل على الظلم، انهم ليسوا جيشاً ولكن ما  فعلوهُ و رسموهُ تقف جيوش العرب عاجزة عن تحقيقه لو اجتمعت، والشعبُ اليمني الشجاع  الذي لم يقف مكتوف الأيدي هو الآخر  لعب دوراً حيوياً  ومحورياً في دحض قوى الاستكبار من الطفاةِ ، فغير لعبة المعادلة، تعلمنا منه المواقف البطولية التي دونها تاريخٌ الأمة على صفحاته ، وهذه الأحداثُ كشفت لنا عن حجم المؤامرة الكبيرة، والكذبة العظيمة المتمثلة في حقوق الأنسان والقانون الدولي الذي تتشدق به الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها ، وصدقها القادة العرب وساروا على خُطاها متجاهلين الظلم والمعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، الذي حٌرم من أبسط حقوقه الغذاء والدواء، ناهيك عن حق العيش على أرضه وتقرير المصير، كما كشفت لنا  بأن هناك شرفاء من شعوب العالم الحر الذين وقفوا مع هذه القضية ورفعوا شعار العدالة (فلسطين حرة) كما أخذت مسارا أبعد حيثُ اٌعترف بحق الشعب الفلسطيني على إقامة دولته على أرضه  المنزوعة، كما لم نر ابداعا  في رواية كالإبداع الذي يرى منه المُبدع كل الأشياء من حوله في هذه القضية.

إبراهيم نصر الله صاحب رواية (طيور الحذر) يرى التاريخ من زوايا مختلفة مبهرة في وضوحها، ربما لا نعرف أن منها يمكن الرؤية، ثم تعترينا الدهشة في روايات إبراهيم نصر الله، أنه يحاور التاريخ يستنطقه ولا يكتبه ويرسم معالمه. وفي الحقيقة مِنْ مَأْساةِ الشّعبِ الْفِلَسْطِينِيّ كَانت وِلَادةُ رِوايَة  طُيُورُ الْحَذَر وهيَ مِنْ أَفْضلِ وأَهمِ رِواياتِ للروائي الْعَظِيم إِبْرَاهِيم نَصْرُ اللَّه  وَكَانَت رِوايَةُ طُيُورِ الْحَذَرِ شبهها الروائي نصر الله  كالطائرِ الَّذِي حَامَ فَوْقَ مخيّماتِ الألَمِ والحُزْنِ الْفِلَسْطِينِيّ جَاءَتْ الرِّوايةُ مَا بيْنَ التَّمسُّكِ بِالْخَيْطِ الشَّفِاف منْ الْأَملِ وبيْنَ الْكَثيرِ مِنْ الْمُعَانَاةِ والْأَسَى  وما بَيْنَ الْحَقيقةِ المُرّة الْمُوجِعَة وَبَيْن الْحُلْمِ الَّذِي لَا يُعرَفُ قُرْبُهِ مِنْ بُعْدِ  فَهي تَرسمُ حَيَاةَ طِفْلٍ، وهو يمثّل كُلَ طِفْلٍ فِلَسْطِينِي عَاشَ عَلَى جناحَي حُلم وَبَقِي الْحُلْمُ يكَبِّرُ ويكَبِّرُ مِنْ دُونِ أَنْ يَتَحَقَّقَ وهذَا الْحُلْم  هو الْحُرِّيَّة الَّتي يُسْمعُ عَنْهَا وَلَا يشاهدها وهو طواق لنيلها ، كان الطفل الصَّغِيرُ جُلَّ وقْتِه يُرَاقبُ تِلْك الطُّيُور وكان يَرْسُمُ مِنْ خِلَالِ مُرَاقَبَتِه إيَّاهَا شكلَ الْحُرِّيَّة، حَتَّى يَعْرِفَ الْحُرِّيَّةَ كَيْفَ هيَ وما هو معناها رَامِيًا خَلْفَ ظَهْرِهِ أَلَمَ وَوَجَع المخيم الَّذِي يعيشه  ويُسطر إبراهيم نصر الله في طيور الحذر مرارة اللجوء والم الحرمان ، الانتزاع من الجذور، أن تكون ذا شأن في وطن وبيت وتصبح لا شيء في أرضٍ غريبة ليست كأرضك، تشعر بتلك المرارة التي ينقلها لك الكاتب عبر مشاعره ، تحكي الرواية عن فصل قاس من حياة الفلسطينيين، في الشتات وألم المخيمات، قبل أن تصير مخيمات، ويتبع الكاتب الرحلة من أولها، النكبة والخروج الأول، وحلم العودة سريعا، والم وقسوة العيش بلا وطن وبلا بيت، حتى صار المخيم مخيما من الوحدات الخرسانية الثابتة، وطالت الحياة المؤقتة، وتثاقلت الألآم وتوالت الخيبات.

وفي ذلك المخيم، كان الأطفال يلعبون فى صيد العصافير، وحينما كبر الطفل ( بطل الرواية ) وخرج للشارع حتى يلعب، أرتعب لهذا، وأخذ يتألم بشدة مع كل عصفور يسقط في فخ الأولاد، حتى قرر أن يتعلم الصيد، وصار أبرع صياد بين الأولاد، لكنه تعلم الصيد لا ليصطاد الطيور بل ليعلمهم الحذر، فيصطاد العصافير قبل أن تقع في فخاخ الأولاد ثم يُطيرها، وبذلك يعلمها الحذر فلا تسقط في الفخاخ مرة أخرى أبدا.

وهذه خاصية تميز الطيور أنها إذا نجت من الفخ فإنها لا تسقط فيه مرة أخرى، يُسطر إبراهيم نصر الله في طيور الحذر مرارة اللجوء، الانتزاع من الجذور، أن تكون ذا شأن في وطن حر وبيت وتصبح لا شيء في أرضٍ غريبة ليست كأرضك، تشعر بتلك المرارة  التي ينقلها لك الكاتب عبر مشاعر شخصياته، ومعاناتهم، وتشبثهم بذلك الأمل النابض (نم يا ولدي قرير العين  مسرورا)، نم، غدا ستتناول إفطارك في بيتك القديم في حيفا ورام لله ، حياة ببؤسٍ واختناق لا يشعر بها الا من ذاقها،  في الحقيقة علمتني هذه الرواية اذا وقعت في فخ الصياد ليس من السهل الخروج منه، ستصبح اسيرا مكسور الجناحين وستظل تقاوم حتى الحصول على الحرية ، وستضحي بالألم الكبير مقابل ثمن الحرية كما يفعل الغزاويون اليوم يضحون بفلذات أكبادهم ، فعلينا أن نحافظ على حريتنا من أن تنتزع انتزاعا من قبل الأعداء الذين يتربصون بنا وعلينا أن نشعر بتلك الألام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى