المزيد
زاهر بن حارث المحروقي يكتب: من وحي حادثة الوادي الكبير

عشرة أيام فقط مرت على حادثة مسجد الإمام علي بن أبي طالب في الوادي الكبير، وهي فترة لا تسمح بمعرفة كلّ ملابسات الحادث، لأنّ الأمر بيد جهات الاختصاص التي تحقق في الأمر. من الطبيعي جدًا ألا يستوعب المرء ما حدث في تلك الليلة لأسباب كثيرة، أهمها أننا نعيش في وطن آمن، لم يُسجّل فيه عبر تاريخه العنف والإرهاب، ثم إنّ حرية العبادة والمعتقد مكفولة، وتربّى المجتمع العماني على التسامح وقبول الآخر (مع بعض التجاوزات اللفظية القليلة، التي لا تؤثر في شيء)، ولم يُسجَّل أن شارك العمانيون في أيٍّ من التنظيمات المشبوهة الكثيرة، حسبما هو معلن؛ لذا شكّل الخبر صدمة كبرى ليس للعُمانيين والمقيمين على أرض عُمان فقط؛ بل لكلِّ من يتابع أخبارها؛ فالحدثُ أمرٌ غير مسبوق وغير طبيعي، وفي ظنّي أنّ حادثة الوادي الكبير ليست أقلَّ من خلية التجسس التي كشفتها وأعلنت عنها الحكومة العمانية عام 2011، فكلتاهما اختراق، وشكلتا صدمة لدى العُمانيين، ممّا جعل الأجواء العامة وردود أفعال الناس تتشابه في الحدثين.
ما جعل الواتساب نشطًا ومصدرًا رسميًّا لمتابعة الأخبار أنّ البيانات الرسمية تأخّرت؛ فكان هناك مبالغات في كلِّ شيء، لدرجة أن يقول البعض إنّ الوفيات زادت عن عشرين شخصًا، حتى صدر بيانٌ من شرطة عُمان السلطانية عن الحادثة، أشار فيه إلى أنّ عدد الوفيات أربعة أشخاص، مع إصابة عددٍ آخر حسب المعلومات الأولية. لكن الصدمة الكبرى كان بيان الشرطة فيما بعد، بأنّ الجناة الثلاثة المتورّطين في الحادث عُمانيون، عكس التمنيات في موقع “أكس” الذي صار مرتعًا للتوقعات والتحليلات والاتهامات.
حدث كهذا، كان من الطبيعي أن يتناوله الناس في مجالسهم ومقالاتهم وتغريداتهم، وكلّ منهم ينظر إلى الصورة من زاويته الخاصة؛ فكثرت التحليلات والتعليقات، مع تأكيد البعض أنّ ما حدث هو عمل استخباراتي، لكن الأصل موجودٌ في الموروث الروائي الإسلامي. ومن الأمور التي تناولها المغرِّدون، تأخُّر انتهاء العملية؛ وكنتُ ممن يعتقدون أنّ العملية استغرقت فعلًا وقتًا أكثر من اللازم؛ لكني قرأتُ تصريحًا لشاندار بخاري – وهو أحد الناجين الباكستانيين من الحادث – أدلى به لصحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية الناطقة باللغة الإنكليزية، قال فيه: “لو لم تأتِ الشرطة العُمانية بسرعة، لكان كثيرون قد ماتوا”؛ فيما اتفق سيد شريف علي شاه، وهو متطوع في مسجد علي بن أبي طالب، مع مواطنِه بخاري في حديثٍ لبي بي سي نيوز ولقناة الحرة الأمريكية، أشار فيه إلى أنّ أحد أسباب التجمع الكبير لحظة وقوع الحادث، هو الحرية الدينية المتمتع بها في عُمان، وأنّ تلك الحماية كانت سببًا في توافد الشيعة من دول الجوار إلى مسجد علي بن أبي طالب، لحضور تجمعات عاشوراء في محرم. أما عمران علي السفير الباكستاني الذي تابع الحدث أولًا بأول فقد قال: “نحمد الله أنّ المأساة أقل بكثير مما كان يمكن أن تكون”. ولم يكن ذلك كلّ شيء؛ فالسفير ذكر في تصريح أدلى به في مجلس عزاء الشهيد بإذن الله تعالى الرقيب يوسف الندابي، بأنه “ضحّى بنفسه لإنقاذ حياة الناس، بأن جعل السيارات درعًا بين الجناة والمصلين”.
لقد أحسستُ براحة نفسية، وأنا أقرأ تصريحات الناجين؛ فهي تدلّ على أنّ التدخل السريع من قبل الشرطة العُمانية، حافظ على مئات الأرواح كان يمكن أن تذهب سدى مع كثافة إطلاق النار، وهو ما حدث في كثير من البلدان العربية والإسلامية، التي تعرّضت لهجمات مماثلة؛ لكن رغم ذلك الارتياح إلا أنّ أسئلة كثيرة علقت في الذهن: كيف تمكّن هؤلاء من إدخال السلاح والذخائر بهذه الكمية؟ ومن وراءهم؟ وما هي قصتهم؟ وهل هناك خلايا أخرى نائمة؟ وكيف حدث ما حدث؟ وأسئلة كثيرة طُرحت من وحي الصدمة. لكن بما أنّ الأمر الآن بيد الأجهزة المختصة، فليس لنا أن نخوض فيه، مع التأكيد على أنّ “رب ضارة نافعة”.
إذا كان العمانيون قد أصيبوا بصدمة من الحادثة، فإنّ معظم وسائل الإعلام العالمية تناولتها، ولا غرابة في ذلك؛ فعُمان من أكثر الدول استقرارًا وأمانًا في الشرق الأوسط، وتوسطت لحلِّ عدد كبير من النزاعات في المنطقة، وتتمتع بقدر أكبر من الحرية الدينية والوئام، مقارنة بدول المنطقة الأخرى؛ والعمانيون – بصفة غالبة – شعبٌ مسالم وبعيدٌ عن الفكر التكفيري، الذي دمّر العديد من المجتمعات الإسلامية، وقد رضعوا حليب “التسامح” حتى التخمة. ويوضح د. خورام إقبال خبير مكافحة الإرهاب لموقع بي بي سي نيوز، أنه “وفقًا لقاعدة بيانات الإرهاب العالمية، حتى في السنوات التي كان فيها الشرق الأوسط هدفًا للإرهاب، كان خطر الإرهاب في عُمان منخفضًا جدًا، مقارنة ببقية دول الخليج”، ويرى أنّ السبب الرئيسي لذلك، هو نظام إنفاذ القانون والحكم الفعال في البلاد. وعن أسباب استهداف عُمان، يرى إقبال أنّ لعب مسقط دورًا بنّاءً في إحلال السلام الإقليمي والعالمي، يمكن أن يكون أحد الأسباب. وإذا كان يرى أنّ ذلك قد يكون “أحد الأسباب”، فالحقيقة أنّ ذلك هو السبب الرئيسي؛ فمواقف عُمان تجاه القضية الفلسطينية وما تتعرّض له غزة هي مواقف قوية وصريحة ومعلنة، وكذلك الموقف من الوحدة اليمنية، ونحن نعلم أن سلطنة عُمان نأت بنفسها عن التحالفات العسكرية ضد الدول العربية، ورفضت مقاطعة دولة قطر، كما أنّ سياستها المسالمة مع الجارة إيران ثابتة، وكلُّ ذلك يزعج كثيرين، لأنه يُضعف من قوة تلك التحالفات.
وبما أنّ حادثة الوادي الكبير كانت غير مسبوقة، واهتمت بها وسائل الإعلام العالمية – كما ذكرت – لم يكن مستغربًا أن تختار قناة “الحرة” الأمريكية عنوانًا ذا مغزى في تغطيتها للحدث، والذي عنونته: “هجوم مسجد عُمان.. “اختراق غير عادي” يحفز ضرورات خليجية”، ويرى حسن المصطفى الباحث السعودي في شؤون التيارات الشيعية، أنّ اختيار داعش لمسقط يهدف “إلى إثارة فتنة مذهبية في الخليج، خصوصًا أنّ عُمان تمثل نموذجًا للتعايش السلمي بين المذاهب والأديان المختلفة المقيمة على أرضها”.
يبقى أن نقول إنّ الحادثة لن تؤثر على النسيج الاجتماعي العُماني، لأنها صدمت العمانيين بأطيافهم، ولأنّ القوانين العُمانية – وهذا هو الأهم – تجرم الخطابات الطائفية، وتمنع استخدام الدين أداة للصراعات التفكيرية. والمُشاهَد أنّ عُمان نجحت في ذلك أيما نجاح، ولا ينبغي أن تؤثر تلك الجريمة على ذلك النسيج، ولا ينبغي الالتفات إلى التهييج الطائفي عبر مواقع التواصل التي نشطت في هذا الجانب مؤخرًا، ولكن بالمقابل فإنّ الأمر في رأيي، يحتاج إلى مزيد من اليقظة، وإلى دراسة الأسباب التي أدّت إلى حدوثها، وإلى المزيد من الاهتمام بالشباب بحلِّ قضاياهم العالقة منذ فترة طويلة، وتوفير الحياة الكريمة لهم، حتى لا تتسرّب إليهم مثل تلك الأفكار الهدامة.