المزيد

غييبْ الرئيس الإيراني: مصلحة لفاعلٌ مجهول و متهم معلوم

كتب: السفير الدكتور جواد الهنداوي

تعلم قيادات أيران، بأنهم المستهدفون رقم ( 1) من قبل طواقم الاغتيالات الاسرائيلية و الأمريكية ،
و هنالك تعاون وثيق و مشاركة فعّالة بينهما ( امريكا و إسرائيل ) في تنفيذ هذه المُهمّات . و جغرافية التنفيذ مفتوحة ،و غير محدود المساحة ، في أيران و في العراق وفي سوريّة ولبنان ، أو حيث يكون الهدف المقصود ، وخاصة اذا تواجدَ الهدف في دولة حيث تسرحُ وتمرحُ الاجهزّة المختصّة لأمريكا و لإسرائيل .
ما مرّتْ سنة على إيران دون اغتيال قائد او عسكري من كوادرها ، و القاتل هو ذات القاتل في جميع الحالات ، سواء أَفصَحَ علناً ( كحالة اغتيال سليماني و المهندس في بغداد في الثالث من يناير عام 2020 ) او عُرِفَ ضمناً ( والأمثلة عديدة و آخرها قصف القنصلية الإيرانية في سوريّة و اغتيال العميد محمد رضا زاهدي و آخرين ) ، و احياناً بتواطئ من عملاء و خونة و منتفعين من داخل ايران .

ما بين إيران و الثنائي ( اسرائيل و امريكا ) علاقة عداء مُستفحل ، الثنائي فيها ( في العلاقة ) مُتحرّر من كل القواعد و الأحكام القانونية و الاخلاقية و الانسانية ،غايته ،وهي الوصول إلى الهدف بكل الوسائل . و دروس حرب الابادة في غزّة كثيرة ، جعلتنا والعالم يطلعُ على قدرة اسرائيل في التمادي في الجريمة ، وانها ( اي إسرائيل) لا تمتْ للإنسانية بصلة .
أو ليسَ على ايران واجب اتخاذ أقصى درجات الحيطة و الحذر ، لاسيما في رحلات لدول هي ليست في مأمن من ان تطالها ايادي الموساد وغيرهم ،بل لربما لديهم ايضاً تواطئ و تسهيلات ؟
ثُمَّ نسيت إيران انها خرجت من حرب الظل و معارك بالوكالة مع اسرائيل إلى حرب مباشرة و مفتوحة ، حيث قبل اقل من خمسين يوماً ،أمطرتها بوابل من المسيّرات و الصواريخ . ومن الصعب جداً على اسرائيل ان تترك الرّدْ الإيراني دون جواب يتناسب مع حجم الضرر المعنوي و الاعتباري ،والذي مّسَ في عقيدتها الاستراتيجية في التعامل والتعاطي مع الدول و مع كل ما يهدّدْ وجودها المادي و الاعتباري .
يقول الفرنسيون ،إذا اردت ان تعرف مُرتكب الجريمة ،ابحث عن المستفيد منها ، ويقول العرب ” البعرة تدلُ على البعير ” ، ويسود اليوم قولٌ ” خلفُ كل مشكله او مصيبة تجدُ صهيونياً ” ، وصهيونياً يعني حركة و مؤسسّة وكيان اوسع بكثير من اسرائيل.
يوم الاحد ،الموافق 19/5/2024 , قطعَ الرئيس بايدن عطلته الأسبوعية ،وعاد إلى البيت الأبيض ، لمتابعة حدث اختفاء طائرة الرئيس الإيراني ! عودة تثير الاستغراب و الريبة ، وتوحي بمعرفته او توقعّه لعلاقة ما لهم او لإسرائيل بالحدث .
من السذاجة التساؤل هل لإسرائيل مصلحة في وقوع الحدث او غياب الرئيس الإيراني و وزير الخارجية من الساحة الدولية ؟ وهل لإسرائيل القدرة او الجرأة على ارتكاب حماقة الجريمة ؟
نعم لإسرائيل مصلحة سياسية كبيرة في غياب الرئيس الإيراني و وزير الخارجية ، لانهما حرصا على عدم انزلاق المنطقة نحو حرب اقليمية و بالتنسيق ،بشكل غير مباشر مع الادارة الأمريكية ،وبواسطة عربية ( عمان ،قطر ، وربما المملكة العربية السعودية) ، وتشير معلومات إلى حصول اتفاق بين ايران وأمريكا من اجل الاستمرار على تبادل الرسائل عبر وسطاء من اجل عدم التصعيد في المنطقة ، وهذا ما حرصت عليه ادارة بايدن ،التي يهمّها بالدرجة الاولى عبور الانتخابات .
نتنياهو وبالذات حريص على ان تكون العلاقة بين ايران و امريكا في اسوء حال ، كم بذل جهداً و وقتاً من اجل ان تسمح له امريكا و تعينه على قصف المنشئات النووية ؟
ليس في مصلحة نتنياهو ان يحصل تفاهم ايراني امريكي حول ملفات الشرق الأوسط ، وخاصة حول قضيّة فلسطين ، وحول الملف النووي .
الرئيس بايدن و منافسه ترامب يتنافسان على استمالة اصوات اللوبي اليهود و على تأثير و دور اللوبي الصهيوني في امريكا ، ولمصلحة إسرائيل حضور و دور في ترجيح هذا او ذاك المرشّح .
و لنتنياهو علاقة مميّزة مع ترامب ، و يعّول كثيراً على فوزه و عودته ليكون حُرّاً اكثر في المضي قدماً في ارتكاب جرائمه و لتصفية القضية الفلسطينية،وتشير بعض المعلومات الصحفية إلى ان الرئيس بايدن مُدرك للعلاقة بين نتنياهو والرئيس السابق ترامب ،لذا سارع و تعهّد لنتنياهو بدعم لا محدود ،مقابل دوره في التأثير على الصوت اليهودي و الصوت الصهيوني في الانتخابات .
هل حصلت مقايضة بين نتنياهو والرئيس بايدن لتمرير جريمة اغتيال مقابل دعم انتخابي ؟
احتمالات واردة جداً ،و ترجيح هذا او ذاك الاحتمال ،يتوقف على التحقيقات ،التي تقوم بها الجهات المسؤولة في ايران .
طلب الروس ( وليس استعداد الروس ) في المشاركة في التحقيق يدّلُ على ظنهم أنَّ الحدث مُدّبر ، وشارك في انجازه اكثر من جهاز و اكثر من دولة ، ولربما لدى الروس معلومات و ادلّة لقطوها قبل وقوع الجريمة او أثناءها او بعدها .
لن تستعجلْ ايران بقبول مشاركة جهات خارجية صديقة في التحقيق لسببّين ؛ الاول سيادي و الثاني احترازي ، اي لا تريد ايران ،وهذا ، أمرٌ طبيعي ، ان تكشفُ اوراق و ظروف وحيثيات التحقيق لغيرها ، ولربما يوصلها التحقيق إلى نتائج لا تُّسرْ . ويترتب على نتائج التحقيق اتخاذ موقف او مواقف ،والموقف و المواقف هي ايضاً سياديّة ،ومَنْ يساهم و يشارك في التحقيق ،سيطّلع او يستشرف المواقف .
سيقود التحقيق و حتماً إلى نتائج قاطعة حول طبيعة الحدث ؛ اغتيال ،حالة الطقس ،خطأ بشري ،فأنْ تبيّن بتدبير الحادث فأصابع الاتهام ستتجه صوب إسرائيل وحدها او صوب اسرائيل و امريكا ، دون اهمال تواطئ داخلي و مقصود ، ولكن دون أدّلة و دون براهين .
للقضيّة فاعل مجهول و متهم معلوم و رئيساً على الساحة الدولية ، و موعوداً بخلافة السيد خامئني قد رَحَلْ إلى دار حقّه .
القضية تُرجُعنا إلى ماضٍ قريب حيث أُخرى فاعلٌ مجهول و متهم معلوم ،وهي اغتيال المرحوم رفيق الحريري في لبنان في 2005/2/14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى