يوحنا الذهبي الفم: الخطيب الأعظم في التاريخ المسيحي
يوحنا الذهبي الفم هو اسم أطلق على أحد أشهر الآباء الكنسيين الذين عاشوا في القرن الرابع الميلادي. ولد في مدينة انطاكية السورية عام 345م من أب روماني كان يشغل منصباً عسكرياً عالياً في سورية وأم مسيحية تقية. وكان له أخت واحدة فقط لأن والده توفي وهو صغير.
من هو يوحنا الذهبي الفم
تلقى يوحنا تعليماً متميزاً في اللغة اليونانية وفنون الخطابة عند ليبانيوس، وهو أحد أبرز الخطباء في زمانه. كما درس الفلسفة عند أندروغاثيوس الإنطاكي. بعد أن تخرج، عمل كمحامٍ وأبدع في هذه المهنة بفضل بلاغته وإقناعه. لكنه ترك هذه المهنة بعد وقت قصير وتفرغ لدراسة الإنجيل بإرشاد من أسقف انطاكية. وفي سن الثالثة والعشرين، أسلم على يديه وأصبح مسيحياً.
أسس يوحنا مع صديقه باسيليوس رهبنة نسكية صغيرة اشتهر أعضاؤها بتقواهم وزهدتهم. وكانوا يقضون نهارهم إما في التفكر في الكتب المقدسة أو في الكتابة أو في العمل اليدوي مثل زراعة الأرض وصنع السلال وخياطة الثياب للمحتاجين.
هاجر يوحنا من انطاكية إلى وادي نهر العاصي واستقر في مغارة قريبة من مصبه بعد أن انتهض الامبراطور والنس (364-378م) الذي كان ينتمي إلى الأريوسية ضد الأرثوذكسيين. لكنه لم يتحمل هذا النمط من الزهد، فعاد إلى انطاكية بعد سنوات حيث عينه أسقف انطاكية ملاثيوس شماساً ثم كاهناً وخطيباً.
في هذه المرحلة، تألق يوحنا في الوعظ ونال لقب الذهبي الفم أو فم الذهب لبلاغته وفصاحته. ومن أهم ما قام به في هذا الوقت هو إقناع أهل انطاكية بالاحتفال بعيد الميلاد الذي كانت الكنيسة الغربية في روما قد حددته في 25 ديسمبر. ولهذا الغرض، ألقى عليهم موعظتين مؤثرتين: الأولى في 20 ديسمبر 386م والثانية في يوم العيد نفسه. وبين فيهما أهمية العيد باعتباره ذكرى ميلاد السيد المسيح.
تفاصيل حياته
عندما توفي أسقف (بطريرك) القسنطينية عام 396م، اختير يوحنا الذهبي الفم ليحل محله وعمل على تنقية الكنيسة ومؤسساتها من الفساد. لكن هذا أثار حسد أسقف الاسكندرية الذي كان يطمع في هذا المنصب، فأثار الناس عليه واجتمعوا عام 403م واتهموه بتهم كثيرة وطالبوه بالحضور أمامهم للدفاع عن نفسه. فأبى يوحنا فقرروا عزله.
لم يقبل يوحنا بقرارهم في البداية ولكنه خشي انشقاق الكنيسة فاستسلم ونفي. وكانت الامبراطورة أفدوكيا هي المحرضة على هذه الثورة وأقنعت زوجها بالتخلص من يوحنا.
طرد يوحنا من الكنيسة في 17 أبريل 404م وأمره الامبراطور بالبقاء في قلايته (غرفته الخاصة) وطرد جميع الكهنة الذين كانوا موالين له. وبعد أيام قليلة، أمره الامبراطور بمغادرة المدينة فانطلق إلى نيقية. لكنه أجبر على السفر ستة وخمسين يوما متواصلة حتى وصل إلى منفاه في جبال طوروس. ثم أمر بنقله إلى منفى آخر في كومانة، وهي بلدة صغيرة تقع في شمال شرق آسيا الصغرى بالقرب من البحر الأسود. لكن يوحنا الذهبي الفم لم يصل إلى منفاه الجديد لأنه توفي في الطريق على بعد حوالي عشرة كيلومترات من كومانة. وكان ذلك في 14 سبتمبر 407م.
يوحنا الذهبي الفم هو رمز للتوجه اليوناني في الكتابة والتأليف المسيحيين. درس الكتب المقدسة في أصولها وترجماتها اليونانية. ويقال إنه لم يكن يعرف الآرامية- السريانية ولا اللاتينية التي كانت لغة المسيحيين الغربيين.
يوحنا هو أحد أوائل المفسرين للكتاب المقدس. حيث فسر سفر التكوين في ثمان وخمسين خطبة وألف تفسيراً لأشعيا وأرميا ودانيال. وله تفسير لإنجيل متى ورسالة بولس إلى أهل روما ورسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثية. وينسب إليه تأليف ليتورجيا الكنيسة اليونانية.
نُشرت مؤلفات الذهبي الفم باليونانية واللاتينية (1713م) وترجمت إلى لغات عديدة. ويعتبر يوحنا الذهبي الفم أحد أعمدة الكنيسة الأرثوذكسية وأحد أعظم الخطباء في التاريخ المسيحي. ويحتفل بذكراه في 13 نوفمبرمن كل عام.