لماذا أطلق على مؤسسة الانكشارية اسم “الطائفة البكتاشية”؟
لماذا أطلق على مؤسسة الانكشارية اسم “الطائفة البكتاشية”؟
كتب – عمر محمد
لماذا أطلق على رؤساء البكتاشية اسم “الأغوات البكتاشيون”؟ هل كانت المؤسسة الانكشارية صوفية بكتاشية؟ لنسجل أولا وقبل كل شيء أن الروايات الدائرة بأن السلطان أورخان أو السلطان مراد قد اجتمع مع الحاج بكتاش الولي وأنه قام بإلباس الجنود الانكشاريين من الأصل المسيحي قلنسواتهم ودعا لهم، وأنه هو الذي أطلق عليهم اسم “يني جري” أي “الانكشاري”.. هذه الروايات كلها لا سند لها أبداً؛ لأننا نملك مصادر تاريخية واضحة بخصوص علاقة الحاج بكتاش الولي بمؤسسة الانكشارية وهي “يني جري قانون ناماسي” أي “قوانين الانكشارية”، علماً بأن المصادر العثمانية العائدة للعهد الأول –وفي مقدمتها تاريخ “عاشق باشازاده”- توثق المعلومات الواردة في هذه القوانين، ونعلم من الأحكام الواردة في هذه القوانين بأن فكرة جمع الشبان المسيحيين الأصحاء والأقوياء لتشكيل جيش محترف جديد بدأت بفرمان صادر من “سليمان باشا” فاتح بولاير، وأنه تمت الموافقة على هذه الفكرة بعد التشاور الذي تم مع السيد “قره خليل” قاضي مدينة بورصة، ثم قام السيد قره خليل “اسمه الكامل جاندارلي خليل خير الدين باشا” بتنظيم مؤسسة الانكشارية بعد التشاور مع أركان الدولة. وكان “الحاج بكتاش باشا” من ضمن أركان الدولة آنذاك، أي عدا هذا التشابه في الاسم لا توجد أي علاقة لـ “الحاج بكتاش الولي” مع هذه المؤسسة.
أما زي الانكشاريين فقد تقرر بعد التشاور مع “تيمور طاش” -الذي روي الشيء الكثير عن كراماته- وهو حفيد الحاج “بكتاش ولي”، ومع “أمير أفندي” وهو من أحفاد المتصوف المعروف “مولانا جلال الدين الرومي”، وتمت مراسيم لبس هذا الزي بعد إجراء مراسيم الأدعية، وبعد أن رفض حفيد مولانا “جلال الدين الرومي” إلباس الانكشارية زي مولانا “جلال الدين الرومي” تم إلباسهم زي “الحاج بكتاش ولي” الذي كان يدعى “كبنك”. إذا فزي الانكشارية كان زي الحاج “بكتاش ولي”، ولكن الحاج بكتاش ولي لم يكن هو الذي ألبسهم الزي؛ لأنه كان قد توفي قبل هذا بزمن طويل، ونظراً لكون أفراد هذا الجيش من العبيد فقد أطلق عليه اسم “يني جري” و لم يكن الحاج “بكتاش ولي” هو الذي أطلق عليهم هذا الاسم. يقول “عاشق باشا زاده وهو يشرح هذه المسألة: “يقول البكتاشيون أحياناً بأن: “التاج الموجود على رؤوس الانكشاريين هو تاج الحاج بكتاش ولي”. الجواب: هذا كذب، فهذه القلنسوة ظهرت في مدينة “بلجك” في عهد أورخان وقد شرحت هذا في الفصل السابق، والسبب الذي دعا البكتاشيين إلى لبس هذا الزي هو آبدال موسى عندما خرج إلى الجهاد في عهد أورخان وانخرط مع الانكشاريين وسأل أحد الجنود الانكشاريين أن يعطيه قلنسوة قديمة فأعطاه الانكشاري ما طلب فأخرج شرابة) شرابة: ضمة من خيوط يعلق طرف منها بالطربوش ويتدلى الطرف الآخر(القلنسوة ثم لبسها على رأسه، ثم دخل إلى مدينته وهذه القلنسوة على رأسه، فسألوه: “ما هذه القلنسوة على رأسك ؟” فأجاب: “اسمها ألف”. هذه والله هي حقيقة هذه القلنسوة”. والخلاصة أن هذه المسألة كما قمنا بإيضاحها أعلاه، بأن الحاج بكتاش ولي هو من المرشدين المعنويين من أهل خراسان، وكان له إسهام في تأسيس الدولة العثمانية، ومن المحتمل أن زي “يني جري” أي “الانكشارية” مأخوذ من زيه، وأن أحد أحفاده حضر مراسيم لبس هذا الزي ودعا لهم، مما أعطى انطباعاً بأن هذه المؤسسة موجودة تحت الحماية المعنوية للحاج “بكتاش ولي”، وهذا أدى إلى إطلاق اسم “الطائفة البكتاشية” على الانكشاريين، وإطلاق اسمآغايان بكتاشيان” أي “الرؤساء البكتاشيون” على رؤساء هذه المؤسسة، وظهر بالطبع من أراد استغلال كون هذا الولي من أهالي خراسان استغلالاً سيئاً، كما ظهرت من وقت لآخر فرق انکشارية مخدوعة ومضللة. وكان لهذا الفهم )أي إرجاع المؤسسة الإنكشارية إلى الطريقة البكتاشية(تأثيراً كبيراً على سلسلة العصيانات التي ظهرت وعرفت بعصيانات “جلالي”، بل كان من ضمن الأسباب التي أدت إلى تفسخ الانكشارية من الناحية الخلقية فيما بعد، ويمكننا مشاهدة هذه الآثار السيئة في “القوانين الانكشارية”. وكان وجود هذا الانعكاس السيئ من الأسباب التي حدت بالسلطان محمود الثاني إلى إلغاء التكايا والزوايا البكتاشية عندما قام بإلغاء الجيش الانكشاري عام ١٢٤٢هـ /١٨٢٦م، وكان هدفه هو منع سوء الاستغلال هذا؛ لأن مؤسسة الانكشارية في الدولة العثمانية لم تكن في يوم من الأيام جماعة بكتاشية لا تحترم الفرائض الدينية حسب المفهوم السائد الموجود لدى الشعب عن البكتاشية؛ لأن الطريق الذي سلكه الحاج بكتاش ولي لم يكن سوى طريق الإسلام كما نستدل عليه من كتبه وآثاره.
المصدر كتاب الدولة العثمانية المجهولة.