جمال أسعد يكتب:الفكر الدينى والمؤسسات الدينية
جمال أسعد يكتب:الفكر الدينى والمؤسسات الدينية
الايمان هو تلك العلاقة الخاصة والذاتية بين الله وبين الإنسان، ولا يملك أحد قريبا أو بعيدا أو مؤسسة (تحت أى مسمى) أن تتعرف أو تتدخل فى هذه العلاقة . إذن ما علاقة هذا بالمؤسسات الدينية وفى كل الأديان سماوية أو وضعية؟
منذ البداية كان هناك من يحاول التدخل بين الإنسان وبين مايعتقد به. وكان ذلك بهدف توجيه هؤلاء المعتقدين واقناعهم بأن هناك علاقة بين هذا المعتقد وبين الحاكم أيا كان مكانه أو زمانه أو اسمه.
وقد تجلى هذا بشكل واضح وممنهج أثناء الحكم الرومانى على العالم، حيث تم خلط الأدوار الدينية بالأدوار السياسية وقد ظهر هذا فى نقل الأبهة والفخفخة والمظهرية من السياسيين إلى ماسموا برجال الدين، حيث أصبح هناك سلطان فعلى وسلطان شكلى للسلطة الدينية وذلك لصالح السلطة السياسية .
وظهر ذلك أيضا فى مراحل التاريخ المصرى القديم حيث كان الكهنة يقومون باختلاق القصص الأسطورية التى تعزز من مكانة الحاكم الحالى فى مواجهة الحكام السابقين، وكان التبرير الدائم لذلك يتم عن طريق تطويع المفاهيم والنصوص الدينية، حسبما يرون وكيفما يشاؤن.
وفى كل الأحوال كانت تلك المؤسسات ورجالها هم من يستغلون المؤسسة فى تحقيق مصالحهم الخاصة والحفاظ عليها طوال الوقت مهما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال، وخير دليل على ذلك تجربة السيد المسيح مع تلك المؤسسة اليهودية حينذاك، فماذا قال عنهم السيد المسيح؟ ( على كرسى موسى جلس الكهنة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه وتفعلوه ولكن حسب أعمالهم لاتفعلوا لأنهم يقولون ولا يفعلون . فإنهم يحزمون أحمالا ثقيلة عسيرة الحمل ويضعون على أكتاف الناس وهم لايريدون أن يحركوها بإصبعهم . يعرضون أهداب ثيابهم ويحبون المتكئ الأول فى الولائم والمجالس الاولى فى المجامع ). وماذا قال ايضا؟ ( ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهى من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة).
واستقراء للتاريخ، نستطيع أن نقول أن المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية كانت قد انشئت وتمأسست نتيجة لظروف سياسية أكثر منها ظروفا دينية، فالصراع الذى كان ومازال ومن الواضح انه سيظل قائما بين الكنائس الشرقية والكنائس الغربية هو صراع سياسى فى المقام الأول، حيث أن هذا الصراع لم يقتصر على السلطة الدينية ولكن كانت السلطة السياسية هى التى تديره وحتى الآن وإن كان بشكل غير مباشر، ودليل ذلك قدوم الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية مع الحملات الاستعمارية!.
ولذا وعلى ذلك يمكن أن نسأل هنا، لماذا هذا الصراع القائم حتى الآن بين هذه الكنائس لدرجة أن كل واحدة تكفر الأخرى وكل منها تتصور أنه هو الوحيد الضامن للسماء؟ فى الوقت الذى تختصر فيه المسيحية شكلا وموضوعا فى (المحبة)؟!!!
فهل هذه مؤسسات دينية تسعى لنشر فكر دينى صحيح يعمل على قبول الآخر “أي آخر”؟ أم أنها مؤسسات تحافظ على كيانها التاريخى وتعض بالنواجذ للحفاظ على مكتسبات أفرادها بسلطتهم الدينية ؟ وذلك بالحفاظ على ذلك التراث والموروث الذى تراكم على مر التاريخ، والذى يعطى للمؤسسة صلاحيات يتمتع بها أفرادها . وكما انه من المعروف أن الأزهر قد انشيء على يد الدولة الفاطمية فكان شيعيا. وبعد زوال الدولة الفاطمية أصبح الأزهر سنيا، هنا لابد أن نؤكد أيضا أن هناك بعض القيادات الكنسية والأزهرية قد حاولت ولازالت تحاول تغيير الفكر الدينى الموروث والذى لايتوافق مع المقاصد العليا الدين، ولا يتسق مع تفعيل العقل وإعمال الفكر . مثل البابا تواضروس وفضيلة الشيخ الطيب. فكلاهما يريد التصحيح ولهما مواقف واقوال رائعة . ولكنها المؤسسة التى تحافظ على كيانها ومصالحها.
فهل من صحوة حقيقية لهذه المؤسسات فى أن تقوم بدورها المطلوب والصحيح حماية للأديان والمتدينين وللوطن؟ نتمنى هذا وسريعا، فالزمن يتلاحق والتغييرات تتسابق ولايجب أن نظل فى قاع التاريخ.
حمى الله مصر وشعبها العظيم .