المزيد

الولايات المتحدة والحرب الأوكرانية: بين استنزاف مخزونات السلاح وشبح الهزيمة

الولايات المتحدة والحرب الأوكرانية: بين استنزاف مخزونات السلاح وشبح الهزيمة
حيّان نيّوف

شكّل فشل الهجوم المضاد الأوكراني صدمة كبرى للولايات المتحدة، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار فشل محاولة التمرّد التي قادتها مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة والتي سحبت قواتها من خطوط الجبهة الى داخل الأراضي الروسية تزامناً مع الهجوم المضاد.. كانت الولايات المتحدة التي عملت على تزويد أوكرانيا بصنوف متنوعة من الأسلحة و خاصة سلاحي المدرعات والدبابات تمنّي النفس بنجاح الهجوم المضاد، قبل أن تتفاجأ وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” بتدمير وإتلاف 20% من تلك المعدات العسكرية في الأسبوعين الأولين للهجوم المضاد على يد القوات الروسية التي استعدّت جيّداً له قبل أن تنخفض النسبة إلى 10% في الأسابيع التالية، ولم يكن انخفاض تلك النسبة ناتجاً عن نجاحات حققها الهجوم المضاد بقدر ما كان نتيجةً لتراجعه وانخفاض وتيرته بعد الفشل الذريع الذي منيت به القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب في الأسابيع الأولى.

يمكن القول إن الولايات المتحدة خسرت رهانها على الهجوم المضاد الذي خططت لنجاحه بهدف الدفع بروسيا إلى التفاوض على وقع تراجعها في الميدان، هذه الخسارة دفعت بالولايات المتحدة إلى تمديد مهلة الهجوم المضاد أو تأجيله شهرًا للأمام في البداية ثم إلى نهاية الصيف ثم إلى الخريف لاحقًا، وزامنت ذلك مع الحديث عن إمكانية للتفاوض في الشتاء ويبدو أنها ستراهن من جديد على إعادة تسليح أوكرانيا وهذه المرة بأسلحة أكثر تأثيرًا واستفزازًا للجانب الروسي، وهو ما دفع بايدن للاعتراف بأن موافقته على تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية “المحرّمة دوليًا” ناتج عن فشل الهجوم المضاد.

من جانب آخر فقد بدا واضحًا ووفقًا لتقارير عديدة صدرت عن مراكز ودراسات عدة في الغرب أن مخزونات الذخائر والأسلحة بمختلف صنوفها بدأت تتناقص بشدة لدى الدول الغربية وتحديدًا دول الناتو، وهو أمرٌ اعترف به العديد من المسؤولين العسكريين في الغرب وتسرّب للإعلام في أكثر من مناسبة. وهذا الجانب بالتحديد هو ما دفع بدول غربية عدة للتردد فيما يتعلق بتزويد وامداد أوكرانيا بالعتاد والسلاح، وهو ما بدا واضحًا في مواقف دول عدة منها فرنسا وألمانيا وأسبانيا وغيرها، وذلك خوفاً من نفاد مخزوناتها العسكرية والتي تتطلب إعادة تعويضها سنوات عدة في ظلّ استعار الصراع واقترابه من حدودها.

شاهدنا كيف تمّ الضغط على ألمانيا أولًا بكل الوسائل وخاصة الاقتصادية قبل أن تبدي مرونةً وتوافقًا على تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد، والأمر ذاته حدث مع فرنسا من خلال حركة الاحتجاجات التي شكلت ضغطًا كبيرًا على الرئيس الفرنسي قبل أن تهدأ بإعلانه مواقف متشددة ضد موسكو فتحوّل ماكرون فجأة إلى أكثر الداعمين لتسليح أوكرانيا، والحال ذاته أصاب إسبانيا التي جرى استبعاد شركاتها من خطط الحلف للصناعات الدفاعية قبل أن يطير رئيس وزرائها إلى كييف معلناً تزويد أوكرانيا بالدبابات وغيرها.

كلّ ذلك لم يكن كافياً من الناحية العسكرية التي ستقود عاجلاً أم آجلاً إلى التفاوض وفقاً لشروط المنتصر في الميدان، ذلك أن أي هجوم مضاد جديد قد يعني استنزافًا جديدًا لمخزونات السلاح الغربية بسرعة كبيرة وتقصيرًا لعمر المعركة، وهو ما يستلزم البحث عن مصادر جديدة للتزود بالسلاح تكون قادرة على تغطية الهجوم المضاد الجديد لفترة أطول وإحداث تغييرات ميدانية على الأرض قبل حلول الشتاء، حيث سيشكل الشتاء القارس تثبيتًا لخط الجبهة الحالي هذا إن لم ينفذ بوتين إلى ذلك الحين تهديده بإنشاء منطقة آمنة خلف خطوط الجبهة وما يعنيه ذلك من خسارة مساحات جديدة ربما يكون من بينها مدن كبرى ومقاطعات جديدة وخاصةً أوديسّا وخاركوف.

في هذا الإطار يمكننا ملاحظة وقراءة زيارتين مهمتين، الأولى لرئيس وزراء كوريا الجنوبية إلى كييف ولقائه بزيلينسكي، والثانية أعلن عنها وتتمثل بزيارة قريبة لوزير الخارجية الاوكراني إلى باكستان، حيث تمتلك هاتان الدولتان مخزونات كبيرة من السلاح والعتاد بما فيها الذخائر التي تتوافق مع السلاح الغربي المقدّم لأوكرانيا.

فيما يخصّ كوريا الجنوبية فلا يحتاج الموضوع إلى تأويلات، فتبعية هذه الدولة لواشنطن صريحة وواضحة، ولاحظنا أنها حصلت على مبادرات وميزات تشجيعية من الولايات المتحدة سواء لجهة تحصينها بالسلاح النووي الأمريكي في مواجهة جارتها الشمالية أو لجهة العقود الاقتصادية اللافتة لها مع دول الخليج حليفة الولايات المتحدة.

أما بالنسبة لباكستان فالوضع مختلف، ذلك أن باكستان وبالرغم من أن حكومتها الحالية التي يرأسها “شهباز شريف” التي جاءت به الولايات المتحدة بعد إسقاط “عمران خان” تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، غير أنه لا يمكنها الانفصال عن واقعها الذي يربطها مع روسيا ضمن منظمة شنغهاي أو عبر عقود الغاز والنفط التي تحاول الولايات المتحدة عرقلتها، زيارة وزير الخارجية الأوكراني المزمعة إلى باكستان ستتم تحت شعار البحث في صفقة حبوب البحر الأسود! وهو عنوان غريب لا تأثير لباكستان بملفه ولا يستدعي تلك الزيارة. يمكن في هذا الإطار أيضاً النظر إلى قرار البرلمان الباكستاني الذي سمح بعودة “نواز شريف” رئيس الوزراء السابق من منفاه في بريطانيا، وقرار المحكمة العليا للانتخابات بتوجيه قرار اتهامي لِـ”عمران خان” لا يُسمح بموجبه له بالخروج بكفالة. هذان القراران لا شكّ انه جرى اتخاذهما بالتنسيق مع واشنطن بهدف ضمان الحكم في باكستان لصالح الجيش عبر حكومة مؤيدة للغرب حتى بعد الانتخابات القادمة، وكل ذلك بالتأكيد ضمن إطار المخطط الأمريكي لتأمين مزوّد جديد للسلاح إلى اوكرانيا على وجه السرعة.

وبالنتيجة؛ فإنّ الحرب الباردة التي انطلقت في أوكرانيا تبدو ضاغطة على الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة التي تستنفر جهودها للاستعانة بكلّ حلفائها في العالم خوفاً من إعلان انكسارها من الجولة الأولى لتلك الحرب وهو أمر بات يتحول إلى شبحٍ يلاحق ساسة البيت الأبيض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى