على مر العصور.. رحلة المحمل من مصر إلى مكة لتوصيل كسوة الكعبة
أسماء صبحي
المحمل هو الموكب الذي كان يخرج من مصر كل عام حاملاً كسوة الكعبة، وهو عبارة عن هودج خشبى مخروطى الشكل يحلى بأجمل زينة. توضع به كسوة الكعبة ويحمل على ظهر جمل ويصاحب قافلة الحج التي تتوجه من القاهرة إلى مكة و المدينة ثم تعود منها بعد تأدية فريضة الحج الى مصر.
وفى تعريف آخر هو أسم يطلق على الجمل الذي كان يحمل الهدايا أو الكسوة الموسمية إلى مكة بهداياه إلى البيت الحرام. وفى اليوم السابع و العشرين من شوال يبدأ سفر المحمل بعد تجهيزه و اختيار موظفيه، ويقام لذلك احتفالا يحضره الباشا الوالي والقضاة وكبار رجال الدولة. وتدق الطبول و الموسيقى ويكون وصول المحمل إلى المعسكر الذى يجتمع فيه الحجاج المصريون مع أقرانهم من بلدان شمال أفريقيا وتركيا خارج القاهرة وهو إيذان ببدء الرحلة المقدسة.
رحلة المحمل المصري
في البداية كان المحمل يسافر إلى السويس ثم إلى قلعة النخل وسط سيناء ثم العقبة. وبعد ذلك يتجه جنوبا ويسير بحذاء البحر حتى ” ينبع ” ثم الى مسكنه.
ووصف كثير من الرحالة الذين زاروا مصر خروج كسوة الكعبة من مصر كأبن بطوطة و ناصرخسرو وغيرهما. كما وصف المؤرخ القلتشندى في كتابه صبح الأعشى المحمل. فذكر بأن المحمل يحمل على جمل وهو فى هيئة لطيفة وعليه غشاء من حرير أطلس أصفر و بأعلاه قبة من فضة مطلية.
وفي عهد الدولة الفاطمية، وكذلك خلال العصر الأيوبي، تولت مصر كسوة الكعبة المشرفة. وتعتبر شجرة الدر سلطانة مصر هي أول من أرسلت كسوة الكعبة من مصر عندما ذهبت للحج. فصنع لها هودج مربع عليه قبة جلست بها ومعها الكسوة، وخلفها تسير قافلة الحجاج ومنها أطلق عليها مسمى المحمل.
وفي العصر المملوكي، كان سلاطين مصر المملوكية يلقبون بـخدام الحرمين الشريفين، فكان المحمل المصري يخرج في صورة قافلة تتجه نحو مكة من أجل كسوة الكعبة. وكان المحمل يطوف القاهرة يصاحبه الطبل والزمر، وكان يصاحب طوافه العديد من الاحتفاليات كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول.
وكان المحمل يطوف فى القاهرة نحو ثلاثة أيام، وموكبه عبارة عن جمل يحمل كسوة الكعبة وخلفه الجمال التي تحمل المياه وأمتعة الحجاج. وخلفه الجند الذين يحرسون الموكب حتى الحجاز، ومن ورائهم رجال الطرق الصوفية الذين يدقون الطبل ويرفعون الرايات.
المحمل في العصر العثماني
يصف ابن عبد السلام المتوفي سنة 1239هـ/ 1823م الأستعدادات التي كانت تتوفر لركب الحجاج أثناء رحلة الحج فيقول : “إذا تكامل ذلك جيء بجميع ما يحتاج إليه أمير الحج من أبل وقرب ومصابيح وخيل ورماه وغير ذلك من الأشياء التي تخرج من بيت المالب فيحضر في الميدان كل طائفة لها أمير متقدم عليها حتى الطباخين والفراشين والسائقين ثم يؤتى بالمحمل على جمله المذكور ويقوده سائسه حتى يناول رأس الجمل للباشا. فيأخذ بيده ويناول لأمير الحج في حضور القاضى والأمراء”.
وفي عصر الخديوى عباس حلمي الثاني، وصف إعلان وزارة الداخلية المصرية عام1909 في جريدة الوقائع المصرية خروج المحمل بأن الحكومة الخديوية للخديوى عباس حلمي الثاني حاكم مصر في ذلك الوقت ترغب في تيسير السبل لأداء هذه الفريضة الدينية. ولهذا تسمح لمن يقصدون السفر للحج مع قافلة المحمل. وهي القافلة التي تحمل كسوة الكعبة المشرفة كما جرت العادة وقئنذك. وذلك حتى يكونوا تحت رعاية وحماية أمير الحج والحرس العسكري.
ويتكفل أطباء المحمل وصيادلته بمعالجتهم وإسعافهم دون تأخير ويتم السفر في طريق أفضل من حيث المشقة. وتعد المسافة وتوافر أسباب الراحة و الأمان وتقليل النفقات وعلى من يريد اغتنام هذه المزايا أن يقدم طلباً قبل ميعاد سفر المحمل بخمسة أسابيع على الأقل أي قبل ميعاد الحج بحوالى شهر.
مصاريف السفر
ومصاريف السفر في الدرجة الأولى ( 25 جنيها ) مصري للشخص الواحد وتدخل ضمن هذه القيمة أجرة الجمل والباخرة والوابور “القطار”. وكذلك رسوم المحاجر الصحية و نفقات “المؤنه” الطعام ولاتدخل في هذه القيمة نفقات الأكل فى البواخر. أما السفر بالدرجة الثانية قيمته ( 23 جنيها ) مصرياً والثالثة (20 جنيها) وإن اتفق اثنان من الحجاج على السفر بجمل واحد فتكون القيمة ( 14 جنيها).
وبعد الحج يعود المحمل حاملا الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالكسوة الجديدة. وتقطع إلى قطع وتوزع على النبلاء والأمراء. ومازالت هذه القطع موجودة في متحف كسوة الكعبة وبعضها في قبور العائلة الملكية في مصر حيث زينوا بها اضرحتهم كنوع من التبرك
وبعد قيام ثورة يوليو انشغلت الحكومة عن المحمل ولكنها استمرت في إرسال كسوة الكعبة إلى أن أبطلت الدولة السعودية إحضار الكسوة من مصر وقامت بتصنيعها محليا.