حوارات و تقارير

فرمان مصر: كيف حصل الخديوي إسماعيل على حق التوارث والحكم؟

دعاء رحيل

فرمان مصر هو قرار عثماني صدر في 27 مايو 1866م بناء على طلب من الخديوي إسماعيل باشا، والي مصر، ينظم نظام الوراثة في الولاية المصرية ويعطيها حقوق وامتيازات جديدة. يعتبر هذا الفرمان من أهم الوثائق التاريخية التي شكلت مرحلة انتقالية في تاريخ مصر الحديث، حيث كانت خطوة أولى نحو الاستقلال عن الدولة العثمانية.

أسباب طلب الخديوي إسماعيل للفرمان

وفي هذا الصدد قال الدكتور محمد عبد الرحمن أستاذ التاريخ في كلية البنات جامعة عين شمس، كان الخديوي إسماعيل باشا، الذي تولى حكم مصر في 1863م، يطمح إلى تحقيق استقلال تام لمصر عن الدولة العثمانية، التي كانت تفرض سيادتها الاسمية على مصر منذ عهد جده محمد علي باشا. كان أحد أهدافه تغيير نظام الوراثة في أسرته، حتى يورث عرشه لأكبر أبنائه بدلا من أكبر ذكور أسرة محمد علي، كما كان مقررًا في فرمان 1841م. كان يخشى أن يخلفه على العرش شقيقه أو عمه، الذين كان يكرههما ولا يثق بهما. كما كان يحب ابنه إبراهيم حلمي باشا، الذي كان من زوجته المفضلة جنان هانم.

كما نوه أستاذ التاريخ ، كان للخديوي إسماعيل باشا أيضًا دوافع أخرى لطلب فرمان جديد من السلطان العثماني عبد العزيز. كان يسعى إلى زيادة قوة ونفوذ مصر في المنطقة، خاصة في شؤون السودان والحجاز والشام. فيما كان يرغب في زيادة عدد جيشه وإقامة بنك خاص به وضرب نقود باسمه وإنشاء رتب مدنية للإدارة. كان يود أن يظهر نفسه كحاكم حديث وإصلاحي، يتبع سياسات التنمية والتعليم والثقافة.

شروط السلطان العثماني لإصدار الفرمان

كان السلطان عبد العزيز، الذي تولى حكم الدولة العثمانية في 1861م، يشارك الخديوي إسماعيل باشا رغبته في تغيير نظام الوراثة في أسرته، حتى يورث ابنه يوسف عز الدين باشا بدلا من شقيقه مراد. لكنه لم يستطع تحقيق هذا بسبب قوة التقاليد والمعارضة. لذلك، رأى في طلب إسماعيل فرصة لإنشاء سابقة قد تفتح له المجال لتغيير نظام الوراثة في أسرته.

لكن هذا لم يمنعه من استغلال طلب إسماعيل للاستفادة من ماله وهداياه. فطلب منه زيادة الميراث (الجزية) التي تدفعها مصر سنويًا للخزانة التركية من 400 ألف جنيه إلى 750 ألف جنيه. كما طلب منه دفع دية (غرامة) قدرها 150 ألف جنيه لأولاد عباس حلمي باشا، شقيق إسماعيل، الذي اغتيل في 1854 هذا استكمال المقال:

مضمون الفرمان وآثاره

بعد مفاوضات طويلة ومكلفة، نجح الخديوي إسماعيل باشا في الحصول على فرمان مصر من السلطان عبد العزيز في 27 مايو 1866م. نص الفرمان على ما يلي:

– تغيير نظام الوراثة في ولاية مصر من الأب إلى الابن الأكبر، بدلا من أكبر ذكور أسرة محمد علي، بشرط أن يكون المتولي مسلمًا سنيًا وأن يؤدي البيعة للسلطان.
– زيادة عدد جيش مصر من 18 ألف جندي إلى 30 ألف جندي، بشرط ألا يتجاوز عدد الضباط 750 ضابطًا وألا يتجاوز عدد المدافع 136 مدفعًا.
– إقرار حق مصر في ضرب النقود بإسم الخديوي، بشرط أن تحمل اسم السلطان وأن تكون من نفس المعدن والوزن والقيمة للنقود التركية.
– منح الخديوي حق منح الرتب المدنية لغاية الرتبة الثانية، بشرط ألا تتجاوز عددها 150 رتبة في السنة وألا تتعارض مع التشريعات التركية.

كان هذا الفرمان بمثابة اعتراف بالحقوق والامتيازات التي كان يتمتع بها ولاة مصر منذ عهد محمد علي باشا، والتي كانت تثير احتجاجات وشكاوى من قبل المسؤولين التركيين. كما كان بمثابة تثبيت للخلافة في أسرة محمد علي باشا، وإنهاء للخلافات والصراعات بين أفرادها. كما كان بمثابة خطوة أولى نحو الاستقلال عن الدولة العثمانية، التي كانت تضعف وتتآكل سلطتها.

تقييم فرمان مصر

يختلف المؤرخون في تقييم فرمان مصر وأهميته في تاريخ مصر. فبعضهم يرون أنه كان فضيلة للخديوي إسماعيل باشا، الذي سعى لإحقاق حق مصر في التوراث والحكم، وأنه كان حكيمًا في استغلال ضعف الدولة العثمانية وطموحات السلطان عبد العزيز. كما يرون أنه كان شجاعًا في مواجهة المخالفات والضغوطات من قبل بعض دول أوروبا، التي كانت تخشى من قوة مصر وتأثيرها في المنطقة.

أما بعضهم الآخر فيرون أن فرمان مصر كان خطأ للخديوي إسماعيل باشا، الذي سعى لإغاثة نفسه من خطورة خلافات أسرته، وأنه كان طائشًا في إضاعة مال مصر في شراء رضى السلطان والأوروبيين. كما يرون أنه كان جبانًا في التخلي عن رابطة التاريخ والدين بين مصر والدولة العثمانية، التي كانت تحافظ على استقرار المنطقة.

ولعل الحقيقة تكون في منتصف هذه الآراء، ففرمان مصر كان له جوانب إيجابية وسلبية، فإذا كان قد حقق حق مصر في التوراث والحكم، فإنه قد دفع ثمنًا باهظًا لذلك، وإذا كان قد فتح المجال للاستقلال عن التبعية التركية، فإنه قد فتح المجال أيضًا للاستغلال الأوروبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى