زيارة سلطان عمان لـ مصر.. امتداد لعلاقات تاريخية تربط القاهرة ومسقط
استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، سلطان عُمان هيثم بن طارق، في زيارته الأولى للقاهرة منذ توليه السلطة في 2020، وبعد أقل من عام على زيارة الرئيس السيسي لعُمان، في زيارة تهدف لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين، التي استمرت على مدار سنين في نمو ملحوظ.
وتأتي زيارة السلطان هيثم بن طارق، “امتدادًا للعلاقات التاريخية التي تربط السلطنة ومصر، وتأكيدًا على حرص قيادتي البلدين على توثيق تلك الروابط الراسخة بينهما”، وفقًا لبيان صادر عن ديوان البلاط السلطاني وقال خميس بن عبيد القطيطي، الباحث العُماني في الشؤون العربية، إن عُمان ومصر ترتبطان ارتباطًا استثنائيًا فريدًا، والتاريخ شاهد على متانة علاقاتهما، بداية من عهد الفراعنة، مشيرًا إلى أن العلاقات المصرية العُمانية، استمرت كنموذج للعلاقات العربية العربية في كل عهود رؤساء مصر.
وأضاف، أن العلاقات العُمانية المصرية، تُوِّجت بزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السلطنة عام 2018م والاستقبال المهيب الذي خصَّه جلالة السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ ترحيبًا بمصر وقيادتها، مشيرًا إلى أن العلاقات تستمر في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق، بما يحقق نقلة نوعية كبيرة، خصوصًا في ظل رؤية عُمان الاقتصادية 2040م، والطموحات الاستثمارية المأمولة بين البلدين الشقيقين.
وتابع: “تأتي زيارة السلطان هيثم بن طارق، إلى مصر تتويجًا لتاريخ عميق وضارب في جذور الماضي ليحقق تطلعات الشعبين الشقيقين العُماني والمصري، ويستشرف آمالًا عريضة لمستقبل عربي في سياق التحولات الدولية الراهنة”.
وأضاف أن الزيارة وصفت بـ”التاريخية”، باعتبارها الزيارة الأولى لسلطان عمان هيثم بن طارق، ولأهميتها في إطار العلاقات الثنائية ومتانة النموذج العُماني – المصري، كما أشار إلى أن زيارة السلطان العُماني لمصر، تأتي في توقيت استثنائي وإيجابي، يسوده العلاقات العربية وأهمية محورية مصر في قلب العالم العربي، فهي تجمع العرب ويلتف حولها الأشقاء على الدوام، كما أن الزيارة تأتي ضمن سياق الأحداث والتطورات الراهنة بالمنطقة العربية، وعلى خلفية “ترميم” العلاقات العربية – العربية أخيرًا، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وكذلك الأحداث العاصفة بالسودان الشقيق والأوضاع في ليبيا، واليمن والظروف المحيطة بالقضية المركزية الفلسطينية، ومحورية الدور المصري في تلك القضايا، إضافة إلى مرحلة متجددة في العلاقات المصرية الخليجية.
وتابع “القطيطي”: “هذه هي مصر في عيون العرب، وستظل مصر هكذا متألقة على الدوام، ويدرك العرب أهمية أدوار مصر، وأهمية دعم مصر، فمصر قوية يُعد قوة للعرب جميعا، وواجب العرب تجاه مصر أكبر، والوقوف مع مصر في مختلف قضاياها مسؤولية عربية جماعية، وإن دعت الضرورة ستقف الأمة العربية بأكملها رهن إشارة مصر لرد تلك الفضائل والمكرمات التي قدَّمتها مصر للعرب طوال التاريخ، وستبقى مصر في رعاية الله وحفظه، حفظ الله مصر”.من جانبه قال الدكتور أيمن سمير، الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، إن هذا هو اللقاء الثالث الذي يجمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والسلطان هيثم بن طارق، وأشار إلى أن توجه السلطان العُماني إلى مصر، في أول زيارة له خارج منطقة الخليج، يؤكد عُمق العلاقة المصرية العمانية، وهي علاقة تاريخية وفيها محطات مهمة، بدأت منذ أيام الملكة حتشبسوت عندما زارت مملكة ظفار في جنوب عُمان، وهو ما كشفته النقوش الموجودة في الدير البحري بالأقصر، إذ كان هناك مستوى تجاري عالٍ جدًا بين مصر الفرعونية وبين ظفار.
وأضاف: “عُمان هي الدولة الوحيدة في العالم التي احتجت عمليًا على الاحتلال الفرنسي لمصر في عهد نابليون لمصر، بعد ما رفض سلطان عمان حينئذ (سلطان بن أحمد) التعاون الملاحي بين عُمان وفرنسا اعتراضًا على الاحتلال الفرنسي لمصر”.
ولفت الدكتور أيمن سمير إلى أن عمان كانت داعمة لمصر في كل حروبها، مشيرًا إلى أن مصر لا يمكن أن تنسى دور سلطنة عمان بعد مبادرة السلام عام 1979، لأنه بعد توقيع الاتفاقية غالبة الدول العربية قطعت علاقتها مع مصر، لكن السلطان قابوس قال مقولته الشهيرة: “مصر لا تُقاطَع ولا تُعزَل ولا تَموت”، وقال “سمير”، إن هناك ملفين رئيسيين في هذه الزيارة، الأول يتعلق بالعلاقات الثنائية، وخاصة أن هناك شراكة في القيم بين مصر وسلطنة عمان، فكلا البلدين يدعمان قيمًا مشتركة تتعلق بالسلام والازدهار ودعم الحلول السلمية بعيدًا عن لغة البندقية وتقريبًا نفس التوجهات الدبلوماسية القائمة على البحث عن تبريد الصراعات وتهدئة التوترات.
وأشار إلى أن هناك تنسيقًا كاملًا وتامًا بين مصر وعُمان، وهذا الملف الأول، أما الملف الثاني فيتعلق بالجانب الاقتصادي، وهو في غاية الأهمية، إذ وصل التبادل الاقتصادي بين البلدين في 2022 لنحو 1.1 مليار دولار، وأضاف: “هناك عدد كبير من الشركات المصرية التي تعمل في سلطنة عُمان، خصوصًا في القطاعات غير النفطية المتعلقة بتعليب الأسماك أو بعض الجوانب الأخرى، ويمكن من خلال مجلس الأعمال المصري العماني، أن يتم إنشاء مدن متخصصة في عُمان، وهي فكرة يفكر فيها العمانيون وهناك رجال أعمال من البلدين يفكران في هذا الأمر”.
وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع مجموعة كبيرة جدًا من بروتوكولات العمل والاتفاقيات، وسوف تستكمل في المستقبل بحيث ترتقي العلاقة الاقتصادية إلى مستوى التناغم الكبير، في ظل العلاقات السياسية الممتازة بين سلطنة مصر وعمان