تاريخ اختراع القلم.. الآلة السحرية التي ترجمت ما ينطق به اللسان
أسماء صبحي
لقد كان اختراع القلم في مقدمة الاختراعات التي ابتكرها الإنسان، حتى قبل أن يبتكر الحروف ويتعلم الكتابة. ويعتقد أن أول قلم استعمله الإنسان كان (أصابعه) التي كان يغمسها في دماء الحيوانات ويرسم بها على الصخور وجدران الكهوف. وهذا ما اكدته الرسومات الدموية المكتشفة في كهوف الصحراء الكبرى وجنوب فرنسا والتي تعود لعصور قديمة جدا.
ومن الإصبع الأول تحول الإنسان إلى استعمال عيدان الخشب وريش الطيور كأقلام يغمسها في الأصباغ الملونة ليكتب أو يخط بها بديلاً عن أصابعه.
صناعة القلم عند المصريين القدماء
تقول أميمة حسين، الخبيرة في التراث، إن المصريين القدماء صنعوا أقلامًا من نبات القصب. وفي مطلع الألف الرابع قبل الميلاد كان السومريون أول من اخترع قلم الكتابة المدبب المصنوع من الأغصان الصغيرة للأشجار بعد تهذيبها وجعلها أقلاماً مناسبة للكتابة على ألواح من الطين اللزج. ثم يجري تجفيف هذه الكتابة الطينية بوضع الألواح في الشمس وأطلق العلماء على هذه الكتابة اسم (الخط المسماري ).
وأضافت حسين، أنه منذ ما يزيد على ثلاثين قرناً قدم الكنعانيون أول الأبجديات في التاريخ الإنساني. وتدرج التحسين في أدوات الكتابة من ريش الطيور والقصب إلى اختراع الريشة المعدنية ذات المسكة، وفي عام 500 قبل الميلاد استخدم الإغريق ومن بعدهم الرومان ريش الطيور في الكتابة. وانتشر استخدامها في العصور الوسطى شرقاً وغرباً.
وتابعت حسين: “أما الرومان فقد اتخذوا أقلامهم من ألواح خشبية ذات أسنان مدببة مغطاة بالشمع. وكذلك استخدام ريش الطيور في الكتابة في العصور الوسطى في كل من الشرق والغرب”.
صاحب فكرة اختراع القلم
ولفتت حسين، إلى أن الكيميائي العربي جابر بن حيان هو صاحب فكرة اختراع القلم الحبر ذي الخزان، ولكن الفكرة لم يكتب لها التحقيق في عصره. وفي القرن الثالث الهجري اخترع العالم العربي عباس بن فرناس قلم الحبر على شكل اسطوانة تتغذى بحبر سائل يستخدم للكتابة.
وأشارت إلى أنه في أيام الدولة الفاطمية حدث تطور مهم فى تلك الآلة السحرية. فعندما شعر الخليفة المعزلدين الله الفاطمى (مؤسس مدينة القاهرة) بالملل من غمس الريشة في دواة الحبر أمر بصنع قلم يضم بداخله “خزان حبر” يكتب لفترة طويلة دون الحاجة لإدخاله في الدواة. وقد جاء وصف هذا القلم الفريد في كتاب (المجالس والمسامرات) للقاضي حنيفة النعمان حيث قال: “ذكر المعز القلم فقال نريد قلما يكتب بلا استمداد من دواة. بحيث يكون مداده من داخله متى شاء الإنسان كتب به ومتى شاء تركه فارتفع المداد”.
وبهذا الوصف يكون الخليفة الفاطمي المعز لدين الله هو صاحب الفضل في اخترع قلم الحبر السائل. وليس الأمريكي “لويس ووترمان” عام 1884كما هو شائع.
وكان قلم المعز – وقلم ووترمان من بعده – يعتمدان على انسكاب الحبر على مجرى معدني نازل. فحين يقلب القلم رأسا على عقب ينسكب الحبر (بفعل الجاذبية) باتجاه الرأس المعدني ثم يعود إلى الخزان الداخلي حين يرفع عن الورق. ولم يكن هذا الاختراع مناسبا للكتابة على الورق لتدفق الحبر بطريقة غير منتظمة. إضافة الى خشونه الرأس المعدني الذي كثيراً ما يغرز في أوراق الكتابة.
أوجد الأمريكي جون لويد حلاً لهذه المشكلة، فابتكر قلماً سائلا أكثر نعومة وسلاسة يعتمد على وجود كرة معدنية (في رأسه) تتدحرج بحرية فوق سطح الورق. ورغم تطور القلم الكروي (وأقلام الحبر اللزجة) إلا أن الشركات اليابانية أخذت على عاتقها تطوير “الجميع” منذ ستينات القرن الماضي. من خلال أقلام تميزت بالرخص والجودة وعدم الحاجة لملئها مجددا.
ومن أطرف المواقف في تاريخ هذا القلم، هو إنفاق وكالة ناسا مبلغ 150 مليون دولار من أجل ابتكار قلم سائل لا يتأثر بانعدام الجاذبية في الفضاء. وفي المقابل حل الروس هذه المعضلة بتزويد رواد الفضاء بأقلام رصاص رخيصة الثمن قليلة التكلفة.