كتابنا

د. ميادة ابراهيم رزوق يكتب:مشروع ربط البحار الخمسة نحو التنفيذ… الأسد ينتصر بهدوء

د. ميادة ابراهيم رزوق يكتب:مشروع ربط البحار الخمسة نحو التنفيذ… الأسد ينتصر بهدوء

أطلق الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد رؤيته الخاصة كنظرية استراتيجية لمشروع ربط البحار الخمسة رسمياً في عام 2004، وهي الرؤية التي تهدف لربط (البحر المتوسط، البحر الأسود، بحر قزوين، الخليج العربي، البحر الأحمر) انطلاقاً من موقع سورية الجغرافي، وتموضعها في مركز شبكة الطاقة والنقل الإقليمية، وقد بدأت في نفس العام تدابير فعّالة لبناء الطرق والموانئ، وخطوط الأنابيب داخل البلاد المعنية بوضع المشروع قيد التنفيذ لتشكيل اتحاد اقتصادي اجتماعي جيوسياسي، لتوحيد جهود دولها وتحقيق مصالحها في مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد وفق «رؤية شيمون بيريز، ومشروع برنارد لويس، وخارطة حدود الدم للجنرال الأميركي المتقاعد رالف بيترز» الذي يقسّم المنطقة والإقليم إلى كانتونات كرتونية وفق هويات جزئية متصارعة اثنية أو دينية أو مذهبية مجرّدة من أيّ رافد حضاري قابل للانتظام في إطار دول وطنية مدنية، بل رافضة للآخر المختلف، بما يؤسّس لمرحلة الاشتباك معه «الفوضى الخلاقة لـ مايكل ليدن» في ظلّ هيمنة الكيان الصهيونيّ الوظيفي الذي يصبح وجوده مبرّراً وضرورياً وسط كيانات طائفية متصارعة.
اصطدم هذا المشروع «ربط البحار الخمسة» بمخطط امبريالي صهيوني جهنمي (الربيع العربي) لتكريس المشروع المضاد كأمر واقع بعد تدمير الدول الوطنية وتجزئتها وتفتيتها بالاعتماد على الحرب الإعلامية وشذاذ الآفاق (الجماعات والعصابات الانفصالية والإرهابية التكفيرية) وفق نظرية الحرب الناعمة والذكية في إطار الحرب الاستباقية التي ابتدعها صقور الإدارة الأميركية لتكريس الهيمنة الأميركية على العالم.
قوّض النصر العسكري السوري بمساعدة الحلفاء «الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة الإسلامية اللبنانية /حزب الله/» والأصدقاء الروس، مع الدور الروسي والصيني في المحافل الدولية، فرص نجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد وفق المنظور الصهيوني الامبريالي، الذي كان سيحط رحاله لو مرّ من سورية في إيران وروسيا والصين اعتماداً في أحد تفاصيله على طموح أردوغان بمشروع العثمانية الجديدة لتحقيق الحلم الطوراني.
فكانت الانعطافة الحقيقية الأولى بمشهد الخروج الأميركي من أفغانستان في 30/8/2021، وتداعياته على الحلفاء الأوروبيين والأنظمة الخليجية وكيان الاحتلال الصهيونيّ، لـ يليه خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتدى فالداي الدولي للحوار في 21/10/2021 الذي أعلن منه عن بداية رسم معالم نظام عالمي جديد متعدّد الأوجه في ظلّ تراجع الهيمنة الغربية، لتبدأ الترجمة الفعلية مع بداية الحرب الأوكرانية في 24/2/2022 التي بدأت كعملية روسية خاصة في أوكرانيا، قبل أن تتضح بقية تفاصيلها كمواجهة روسية ضد الحلف الأطلسي ومآربه في تفكيك روسيا ونهب ثرواتها، فكانت بمثابة زلزال أحدث فالقاً سياسياً، اصطفت فيه الدول على مستوى العالم حتى ولو بشكل موارب على ضفتي الفالق.
مما فرض تطورات ميدانية متسارعة على منطقتي غرب آسيا وشمال أفريقيا… تمخضت عنهما قمتان مفصليتان أسّستا لمرحلة جديدة من علاقات دول الإقليم وتشبيكاتها، قمة جدة في 16/7/2022 بتفاصيل كواليسها بمراسم استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن الغير مسبوقة لرئيس أميركي، معلنةً بشكل صريح وواضح بداية التّفلت السعودي من تحت العباءة الأميركية برفض الاصطفاف العلني ضدّ روسيا الاتحادية بزيادة إنتاج النفط الذي يناقَش فقط في قمة أوبك بلس، وبأنّ كلّ زيادة تحتاج إلى تحقيق التوازن وعدم التضحية بالدول النامية، بالإضافة للفشل بإنشاء ناتو عربي في المنطقة، وإنشاء «نظام إنذار مبكر» أو «تحالف دفاعي إقليمي» ضدّ إيران من شأنه دمج كيان الاحتلال الصهيوني في المنطقة، لتليها قمة أستانة في طهران في 19/7/2022 تفتتح عهداً جديداً لدور روسي إيراني يعمل بحنكة لخرق وكسر حدة العقوبات الغربية بمزيد من تعميق العلاقات البينية وتعبيد الطريق لعودة العلاقات السورية ـ التركية وفق مسارات التغيّرات الدولية والإقليمية على وقع الحرب الأوكرانية.
ليبدأ عام 2023 سلة جديدة من خلط الأوراق في ظل المتغيّرات الدولية التي يشهدها العالم في مرحلة الانتقال إلى عالم متعدد التحالفات الإقليمية، بدخول سورية مرحلة استراتيجية عميقة وجديدة، عنوانها تعزيز التحالفات الإقليمية، نحو بناء معادلات إقليمية جديدة، تبدأ من دمشق وتنتهي بها، تلتفت فيها كبرى دول المنطقة لحلّ خلافاتها، والتعاون الأمني والاقتصادي بما يحقق مصالحها الوطنية، فلم تكن كارثة الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا في 6/2/2023 سوى المدماك والذريعة الإنسانية لعودة العرب والانفتاح العربي على سورية لكسر عزلتها، بعد فشل الولايات المتحدة الأميركية بإثارة الاضطرابات في إيران لإغراقها في أتون فوضى لا تبقي ولا تذر، وانكماش قبضتها في أكثر من جغرافيا، نحو مرحلة استراتيجية جديدة بدأت أولى إرهاصاتها بالاتفاق السعودي ـ الإيراني لعودة العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية في منتصف شهر آذار الماضي، وتداعياته على ملفات المنطقة وقضاياها الخلافية في اليمن ولبنان وسورية، وتقويض مفاعيل (اتفاقيات إبراهام)، ليكتمل المسار مع زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى سورية في 18 نيسان /ابريل الفائت، والقمة العربية في جدة بمشاركة 9 دول عربية (6+3)، التي جمعت دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن، واستكملت مهمتها بالقمة الخماسية لوزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والعراق وسورية في عمّان للتمهيد لملئ مقعد سورية الشاغر في الجامعة العربية منذ نهاية عام 2011 وعودتها إلى الجامعة العربية لحضور القمة المرتقبة في الرياض في نهاية هذا الشهر، وإلى دورها العربي والتاريخي والاقليمي، وتمّ تتويج هذه المرحلة بزيارة الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي إلى سورية في 3 أيار /مايو، لتعميق العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية، وفي إطار سياسة إيران الجديدة بالتوجه إلى دول الجوار لإقامة علاقات جيدة تستخدم طاقات بلدان المنطقة لرفع مستوى العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية كافةً. مع تكريس هذه الزيارة كمنصة للاحتفال بالنصر في معركة عزل سورية، بعد أن انتصرت إيران وسورية مع كامل قوى وفصائل محور المقاومة في الحرب المركبة، العسكرية والاقتصادية والاعلامية والنفسية والطائفية، التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية على سورية بشكل خاص، ومحور المقاومة والممانعة بشكل عام، وما رافق كلّ ذلك من غضب أميركي وتوجس وقلق إسرائيلي من مفاعيل هذه الزيارة ولقاءاتها على أمن كيان الاحتلال الصهيوني، والوجود الأميركي في المنطقة، مع استمرار اجتماعات الطاولة الرباعية في موسكو على مستوى وزراء الدفاع ومن ثم نواب وزراء الخارجية في الأشهر القليلة الفائتة، وبموعد مرتقب في 10 أيار/مايو على مستوى وزراء خارجية روسيا وايران وسورية وتركيا لاستكمال حوار سبل إعادة العلاقات التركية ـ السورية، وما سبق كلّ ذلك من توقيع اتفاقيات استراتيجية ثنائية بين الصين وروسيا، والصين وإيران، وروسيا وإيران، والتبادل التجاري والنفطي بالعملات المحلية في ما بينها، وبالتوازي مع دول أخرى كالهند وبعض دول أميركا اللاتينية، وأدوار مرتقبة لكلّ من مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي بإنهاء هيمنة الدولار الأميركي، مع تشبيك إقليمي في ظلّ تكتل دولي صاعد هادف لتقويض الهيمنة الأميركية على العالم، ووضع مشروع نيوم السعودي (رؤية محمد بن سلمان 2030)، وممر شمال ـ جنوب الإيراني (الذي يهدف لزيادة حجم التعاون التجاري بين روسيا وإيران والهند والقوقاز وآسيا الوسطى)، ومشروع الحزام والطريق الصيني، والمشروع الأوراسي على لائحة التنفيذ، كترجمة فعلية حقيقية لمشروع ربط البحار الخمسة، لينتقل من مستوى النظرية إلى مستوى صياغة التاريخ، ويوقّع الرئيس السوري بشار الأسد أنه انتصر بهدوء…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى