بينهن “عزيزة الفحلة”.. أشهر نساء عالم الفتونة في مصر
أسماء صبحي
لم يقتصر عالم الفتونة على الرجال فقط، بل كان هناك فتوات أيضا من عالم النساء. دخلن في عالم القبضة الخشنة القوية التي تحمل النبوت لتغلق حيًا بأكمله. ومن أشهر النساء الفتوات كانت المعلمة توحة فتوة حي المطرية. وعزيزة الفحلة فتوة حي المغربلين.
عزيزة الفحلة .. اول نساء عالم الفتونة
تقول أميمة بكر، الخبيرة في التراث، إن الفحلة كانت من أوائل النساء اللواتي مارسن الفتونة في القرن الماضي. ومهدت الطريق لعشرات من النساء الفتوات اللاتي زاحمن الرجال وأحيانًا تفوقن عليهم في الضرب بـ”النبوت”. ولها قصص كثيرة في الفتونة، والتي أدبت الإنجليز على طريقتها الخاصة.
وتابعت بكر، إن الفحلة كانت شديدة الغيرة على بلدها وعلى سيدات منطقتها. ففي وقت الاستعمار الإنجليزي كان يعود الإنجليز من الخمارات مخمورين ويهجمون على السيدات في الحمامات العامة لهتك عرضهم واغتصابهم. فلما سمعت الحاجة عزيزة هذا ذهبت وأحضرت لهم مكيدة، فجمعت رجالها بالشوم والعصى وأخبأتهم داخل الحمام. وانتظرت هي على باب الحمام وحينما رأت الإنجليز قادمون فأشارت لهم بيدها مرحبة بهم للدخول إلى الحمامات. ففرحوا وقتها وااعتقدو أنها تعد النساء من أجلهم، ولكن ما كان يحلمون به كان في خيالهم فقط. وحينما دخلو أنقضت عليهم هي ورجالها بالضرب المبرح حتي لا يعودوا مره أخري.
مشاجرتها مع الأتراك
وأكدت بكر، أنه ذات مره رأت الأتراك كانوا يضربون كل مصري يمر قائلين: “فلاح خرسيس”. وآثار هذا غضبها وهجمت عليهم بالضرب فهي كانت مشهورة بالضرب بالروسية. وأيضاً معها عصاه مدببه وفِي أخرها مسمار، وحينما دخلت للقاضي غضب منها وقال لها لا أريد أن أرى وجهك مرة أخر.
وأضافت: “تشاجرت مره أخرى مع أتراك وفِي هذه المرة دخلت إلى القاضي بظهرها. فقال لها: “داخله بظهرك ليه يا عزيزه” فردت قائلة: “انت أخبرتني أنك لا تريد رؤية وجهب مرة أخرى. فدخلت بظهري”. فضحك القاضي ضحك هستيري وقال لها أذهبي يا عزيزى، وكان معروف عنها خفه دمها.
المعلمة سكسكة
وقالت الخبيرة في التراث، إن زكية المفترية كانت فتوة سوق الخضار الموجود في حي المناصرة بالقاهرة. إضافة إلى المعلمة مجانص الدهل التي تقول إنها دخلت السجن في قضية مشاجرة أفضت إلى موت. أما فتوة شر الطريق كما يسميها أنصارها فهي أشهر فتوة حريمي في منطقة الجيارة بمصر القديمة. وإسمها الحقيقي كيداهم، وهناك أيضا الفتوتان نفتالين بلية ومهبولة الشوارع. والتي تجيد استخدام المطواة قرن الغزال وتتقن أيضا رياضة الكونغ فو . وفي الجيزة كانت الفتوة المعلمة سكسكة وإسمها الحقيقي كان أم سيد.
وقيل عن المعلمة سكسكة، إنها كانت سيدة مرهوبة الجانب يخشاها الجميع. وتحولت إلى أسطورة وكان مقرها في شارع أبوهريرة بالجيزة. حيث يوجد في هذه المنطقة سوق البرسيم الذي يتردد عليه الكثير من التجار. وكان المعلم مرسي صاحب القهوة الشهير في هذه المنطقة متزوجاً من المعلمة سكسكة. وكان هذا المقهى ملتقى فتوات القاهرة والجيزة، حيث كانوا يقضون فيه سهراتهم التي تمتد إلى الساعات الأولي من الصباح.
وبعد وفاة زوجها تولت هي إدارة شئون المقهى وكانت سيدة فارعة الطول قوية الجسم. ولها عضلات تمكنها من التغلب على من يقف أمامها. وكان على ذراعها وشم شأنها شأن الرجال، حيث كانت ترتدي الصديري والجلباب البلدي الرجالي والكوفية مثل التجار الكبار المعروفين بلقب المعلمين. وكانت تمسك بيدها عصا أو شومة غليظة طويلة.
وأخذت سكسكة توسع نشاطها حيث استأجرت مع آخرين أرض السوق من الحكومة. بحيث تقوم هي بتأجير مساحات منها للمترددين عليها من تجار الدواجن والغلال والأقمشة. وكان من يمتنع عن دفع المستحق لها تعاقبه أشد العقاب. وكانت سكسكة لا تدخل أي مشاجرة لمجرد الشجار فقط، ولكنها كانت أيضًا تتدخل بدافع الشهامة وحماية الضعيف من أهل حتتها.
كما أنها كانت إمرأة عطوفة وتكره المعارك إلا إذا إضطرت إلى ذلك، ولم يكن في منطقتها أي حالات طلاق فقد كانت تقوم بحل جميع المشاكل بين الأزواج والزوجات بطريقة ودية. وكانت تستمع لهم عندما تتسع المشكلة، أما صاحب الخطأ فيكون نصيبه علقة ساخنة حتى يعود إلى صوابه.
كما كانت الفتوة سكسكة تلعب دوراً مهماً في الدعاية لمرشحي الانتخابات. وذلك عندما قام أحد أبناء دائرتها بترشيح نفسه أمام مرشح معروف من حزب الوفد عام 1950م في آخر انتخابات عامة قبل ثورة يوليو عام 1952م. وتولت هي عملية الدعاية له فكانت ترتدي ملابس الرجال وتركب العربة الكارو وتطوف الشوارع مع جيرانها وهي تصفق وتهتف بحياة ابن حتتها. وكان المنافس له يخشاها فأرسل إليها بعض أتباعه لمساومتها للانضمام إلى صفه. لكنها رفضت حتى وصل الأمر بالمنافس إلي تأليف لجنة لمحاربة الدعاية التي كانت تقوم بها سكسكة. وتم تأليف دعاء خاص عليها لكي يردده أنصاره وهو يا رب إهلك سكسكة في يوم حرب مهلكة.
“اللهم صن لي قوتي وزدني منها لأجعلها في خدمة عبادك الصالحين”. هكذا كان شعار الفتونة في مصر لفترات طويلة. واستطاعت أن تحتل مساحة من التاريخ، ليس فقط لكونها كثيرة بل لأنها استطاعت أن تلعب دوراً مهماً في كثير من الأماكن الشعبية في القاهرة. فقد كانت الحماية للفقراء من استبداد الأغنياء.