تاريخ ومزارات

عاشت الأسامي| عمره 100 عام.. ما لا تعرفه عن سوق “زنقة الستات” بالإسكندرية

حارات ضيقة يؤدي بعضها إلى بعض، والمحال صغيرة معبأة بالبضائع وتتلاصق جنبًا إلى جنب كالبنيان المرصوص، وعليك أن تنتبه كثيرًا لوقع خطاك فقد تصطدم بالمارة رغمًا عنك، فأنت في سوق “زنقة الستات”.

سوق “زنقة الستات” بالإسكندرية، واحد من الأسواق ذات الشعبية والكثافة أيضًا، اكتسب اسمه قبل نحو قرن، ليطلق عليه “شارع النسوان”، لأن أكثر زائريه كان من النساء، والفتيات المقبلات على الزواج.

على عكس ما قد يُظن فإن سوق “زنقة الستات” يختلف عن الأسواق المصرية- أو هو من الأسواق المميزة على أقل تقدير- فرواده من مختلف الطبقات الاجتماعية، من الفقراء للأغنياء لمتوسطي الحال للمشاهير، هذا بجانب جمال الحواري وحسن التنظيم، إنه سوق يظهر كما المتباهي.

شارع “الزنقة”

يكتسب السوق شهرته من الأقمشة والحرير ومستلزمات العرائس، والمستلزمات النسائية والمقبلات على الزواج، ومحال الذهب والفضة بجانب البازارات، وهذا ما يجعله مقصدًا للسياح أيضًا، هكذا يقول سلامة عوض، أحد كبار التجار الموجودين في تلك المنطقة القديمة.

محمود الفخراني، الباحث في الآثار المصرية بجامعة الإسكندرية، يقول إن تاريخ “زنقة الستات” يرجع إلى أوائل القرن الماضي، إذ كان السوق الوحيد الذي كان يجمع كل طوائف التجار من المغرب وسوريا وبلاد الشام وليبيا، وكانوا يتمركزون في منطقة المنشية، لبيع بضائعهم بأسعار رخيصة.

محمد سعدون، أحد التجار الكبار في السوق، يقول إنه طالب المسؤولين بضم “زنقة الستات” إلى المجلس الأعلى للآثار، باعتبار أنه احد الأماكن الأثرية، التي تشهد كثافة في أعداد الزائرين، بجانب تاريخه القديم.

ويشير إلى أن السوق يتوافد إليه السياح من كل أنحاء العالم، على اختلاف جنسياتهم، من بينهم أمريكان وفرنسيين وإيطاليين ويونانيين، من أجل شراء الهدايا التذكارية لأقاربهم، قبل مغادرتهم للإسكندرية الساحرة أو “بيتيه باريس”، كما يُطلق عليها.

عمره مائة عام

لكن هل من الممكن حقًا ضم “الزنقة”- كما يطلق عليه اختصارًا- إلى الأماكن الأثرية؟

محمد متولي، مدير عام الآثار بالإسكندرية، يقول إن منطقة سوق زنقة الستات، من المناطق القديمة جدًا، لكن لا ينطبق عليها شروط ضمها كأثر، أو إدراجها ضمن ملفات هيئة الآثار.

يتابع متولي أن هناك شروط لابد أن تنطبق على الأثر، ليُدرج في تسجيل المباني الأثرية، وهي أن يكون قد مرت عليه فترة زمنية تزيد عن 100 عام، وشهد حدثا تاريخيا مهمًا أو موقعة حربية، أو يكون قد عاش فيه شخصية تاريخية مهمة، أو أن يكون به عناصر فنية عالية، أو مبنى نادر، لا وجود لمثيله في تصميمه.

سوق النساء

محمد فتحي، تاجر أقمشة بالزنقة، يقول إن الزنقة من أكبر وأغنى الأسواق بالإسكندرية، إذ إن أجدادنا منذ أكثر من مائة عام يعملون فيه، موضحًا أن الزنقة يرتبط ذكره بسوق المغاربة وسوق عكاظ وسوق اللاذقية، الذين يشتهرون أيضًا بتوافد النساء.

ويضيف أنه قبل نحو 50 عاما، كانت الزنقة مكانًا مفضلًا لتسوق الأميرات والذوات، لشراء أفخم وأغلى الأقمشة ليرتادونها، فضلًا عن الحلي والمصوغات التي كانت لا تباع إلا عند تجار الزنقة، إذ كان يوجد أشهر جواهرجي بالزنقة في هذا الوقت كان يهودي الجنسية ويدعى “الياسو”، وكان يجلب أفخم المجوهرات من اليونان وإنجلترا، ويعرضها بالأسواق.

ملتقى الفنانين

ويقول علي محمود، أحد تجار الزنقة، إن أهم ما يميز “زنقة الستات” هو أن حركة البيع والشراء لا تتوقف، رغم وجود مئات الأسواق التجارية والمولات الضخمة في مختلف أنحاء الإسكندرية.

يضيف أن هناك علاقات صداقة تربطه بفنانين وفنانات كبار، يحرصون على زيارة الزنقة على رأسهم الفنانة فيفي عبده والفنانة سمية الخشاب، مشيرًا إلى أن كثير من الفنانين يفضلون شراء لوازم أدوارهم الدرامية من سوق الزنقة.

احترس من اللصوص

خميس الفيل، واحد من كبار التجار، ينصح النساء بالاحتراس من اللصوص، المنتشرين بسوق الزنقة، موضحًا أن هناك عدة محاضر حررت بقسم شرطة المنشية، بعد انتشار حوادث السرقة والنشل بزنقة الستات، بسبب الزحام الشديد وضيق الشوارع، ما سهل على السارق اصطياد ضحاياه.

يوافقه الرأي محمود عنان، أحد تجار الزنقة، منوهًا- بشكل فكاهي- بارتباط السوق بأشهر ثنائي نسائي إجرامي عرفته مصر”ريا وسكينة”، كان متخصص في استقطاب السيدات والفتيات من هذا الشارع تحديدًا.

الحركة الاقتصادية

ويقول جرجس عبدالنور، أحد التجار، إن الحركة الشرائية في سوق الزنقة جيدة وتتحدى الأزمة الاقتصادية، موضحًا أن النساء والفتيات يحرصن أسبوعيا على اقتناء أحدث المشغولات الجديدة للتباهي بها.

محمد سعدون، أحد التجار، يقول إن المسؤولين بمحافظة الإسكندرية و”حي الجمرك” أقدموا منذ عدة سنوات على إزالة السوق، وأصدرت عدة قرارات ضد التجار لإخلاء محلاتهم، بحجة تطوير المحافظة وتوسيع الطرق وإنشاء بعض الاستراحات الصغيرة مكان السوق.

يتابع سعدون أن التجار وأصحاب المحلات قابلوا ذلك بالاعتراض، خصوصا لأنه القرار يتعرض بشكل مباشر لمصدر رزقهم الوحيد.

البيت الابيض و”شهبندر التجار”

محمد مدني، هو أحد تجار الزنقة أيضًا، يقول إن “زنقة الستات” يحتكم إلى تاجر كبير، هو الحاكم في الجلسات العرفية، التي تحدث لإصلاح الخلافات بين التجار، أسوة بشهبندر التجار قديما.

يضيف أن تلك الجلسات تتم داخل أحد محال الأقمشة، وهو مكان معروف لكل تجار وأبناء الزنقة بـ”البيت الأبيض”، ومخصص لحل وإنهاء الخصومات والمشكلات والخلافات بين التجار وأبناء المهنة والمعروفين باسم “الصبيان”.

ويضيف أنها هى عبارة عن جلسة عرفية، ترأسه قبل نحو 50 عاما سيد راشد، الذي ورث المهمة عنه نحله محمد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى